تونس تحت ضغوط اقتصادية متصاعدة رغم "روشتة" سعيّد (تقرير)

بعد نحو شهر من قرارات الرئيس التونسي قيس سعيد، المتعلقة بتجميد عمل البرلمان وإعفاء رئيس الحكومة من مهامه، ورغم التطمينات المتكررة بأن الوضع تحت السيطرة، فإن الضبابية ما تزال مسيطرة على الوضع الاقتصادي.

يسعى الرئيس التونسي، إلى بعث رسائل طمأنة في الداخل والخارج، من خلال تأكيده أن قرارته صائبة وأن "هناك جائحة سياسية في تونس ولا بد من وضع حدّ لها".

أمام هشاشة الوضع السياسي في تونس، فإن المفاوضات التي انطلقت مع صندوق النقد الدولي منتصف مايو/أيار الماضي بهدف التوصّل إلى اتفاق جديد قيمته 4 مليارات دولار، توقفت، نتيجة عدم الوضوح السياسي والاقتصادي.

ويشترط صندوق النقد توفر الاستقرار السياسي وتوافقا بين جميع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية، إلى جانب الالتزام بتنفيذ جملة من الإصلاحات المتأخرة.

وتؤكد وكالة "فيتش" للتصنيف الائتماني، في بيان لها عقب قرارات سعيد، أنه أمام هذه الوضعية السياسية الآن، فإنه من الصعب التوصل إلى اتفاق مع الصندوق.

وحذرت "فيتش" من خفض تصنيف تونس مجددا بعد الخفض الأخير لتصنيفها السيادي إلى "B-".

وحسب "فيتش" فإن قرارات الرئيس التونسي ستقلّل من استعداد الشركاء الغربيين لدعم بلاده، كما أن فشل التفاوض مع النقد الدولي سيؤدي إلى استمرار الاعتماد الشديد على التمويل المحلي، وسيزيد من الضغوط على السيولة.

وتفاقمت الضغوط المالية الداخلية والخارجية مع تسديد تونس ديونا بأكثر من مليار دولار الشهر الماضي، وسط توقعات باحتمالية طبع تونس نقدا محليا لسداد ديون للدائنين داخل البلاد.

وساهم تسديد الديون في تراجع احتياطي تونس من النقد الأجنبي حتى 10 أغسطس/آب الجاري، بمقدار 1.945 مليار دينار (694.6 مليون دولار) أو بنسبة 9 بالمئة.

وبلغ احتياطي العملة الأجنبية 19.731 مليار دينار (7 مليارات دولار) حتى 10 أغسطس، تغطي واردات البلاد لمدة 123 يوما، انخفاضا من 21.676 مليار (7.741 مليار دولار) قبل عام.

وانخفضت عائدات السياحة إلى 1.317 مليار دينار (470.3 مليون دولار) حتى 10 أغسطس، بانخفاض 71.9 بالمئة عنها قبل عام، نتيجة تفشي جائحة كورونا.

وانكمش الناتج المحلي الإجمالي لتونس خلال الربع الثاني من 2021، بنسبة 2 بالمئة على أساس فصلي، مقارنة مع انكماش بنسبة 1.7 بالمئة في الربع الأول لنفس العام.

وعرفت نسبة البطالة شبه استقرار في الربع الثاني من 2021 عند مستوى 17.9 بالمئة مقارنة مع 17.8 بالمئة في الربع الأول من نفس العام.

وتشير تقديرات رسمية، إلى ارتفاع المديونية العامة خلال العام الجاري قرب 35 مليار دولار، وهي تشكل أزيد من 85 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي خلال 2021، مقارنة مع قرابة 30 مليارا بنهاية 2020.

وتونس، بحاجة إلى تعبئة قروض إضافية بقيمة 18.7 مليار دينار (6.85 مليارات دولار)، وقد بلغت مستحقات الدين العمومي 16.3 مليار دينار (6 مليارات دولار) خلال 2021 وحده، لتمويل عجز ميزانيتها وسداد المزيد من الديون المستحقة.

قرارات الرئيس سعيّد، كانت لها أيضا تداعيات على سوق السندات، حيث تراجعت سندات تونس الأجنبية، بعد يوم واحد من هذه القرارات.

وبحسب بيانات "تريد ويب" المتتبعة للسندات الدولية السيادية والخاصة، تراجع إصدار السندات المقومة بالدولار الأمريكي استحقاق 2025 بمقدار 2.61 سنتا إلى 86.004 سنتا للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى منذ الربع الأول 2021.

ويعني ذلك، أن إقدام تونس لطرح أية سندات في الوقت الحالي يؤشر إلى تقديم أسعار فائدة مرتفعة، أعلى من السعر المرجعي، نظرا للمخاطر السياسية التي تشهدها البلاد.

ويرى محللون أن هناك مخاوف من عدم تأمين الأجور، إذا ما لم يتم التسريع في اختيار رئيس حكومة جديد ووضع "خارطة طريق" اقتصادية واضحة تساعد على حلحلة الأزمة التي تمر بها البلاد.

وخلال الأيام الماضية أعلن سعيد محاربته للفساد، داعيا كل من لديه شبهات فساد وقضايا لدى المحاكم إلى تسوية وضعياتهم القانونية أمام القضاء والدولة في إطار ما أسماه بـ "الصلح الجزائي".

ويعني ذلك، القرارات التي تم اتخاذها بتحجير السفر على عدد من المسؤولين ووضع آخرين تحت الإقامة الجبرية.

كما دعا سعيد في أكثر من مرة، إلى التخفيض في أسعار المواد الأساسية التي شهدت ارتفاعا ملحوظا في الأشهر الأخيرة.

وأكد على ضرورة التصدّي لكل مظاهر المضاربة واحتكار المواد والسلع وفرض احترام الأسعار، مؤكدا أنه "لا تسامح مع كل من يحاول التحكم في قوت التونسيين".

كل هذه المعطيات، تعكس مدى هشاشة الوضع الاقتصادي الذي تمر به تونس، في ظل عدم استقرار سياسي تواصل منذ أكثر من 10 سنوات، والذي انعكس سلبا على كل المؤشرات الاقتصادية وأهمها الاستثمار ومناخ الأعمال.

وتراجعت الاستثمارات الخارجية الواردة إلى تونس بنسبة 7.4 بالمئة في الستة أشهر الأولى 2021، مقارنة مع الفترة المماثلة من العام 2020.

ويتوقع أن تتسارع وتيرة التراجع في تدفقات الاستثمارات الأجنبية المباشرة، لما تبقى من 2021، بسبب تراجع الاستقرار الذي تعيشه تونس، والذي فاقم ارتباكه تدخلات الرئيس الأخيرة.

والسؤال الذي يطرح نفسه في الأيام القليلة القادمة، هل سينجح قيس سعيد في اختيار رئيس حكومة قادر على وضع خطة عمل اقتصادية ناجعة تساعد على الخروج بتونس من أزمتها الاقتصادية والاجتماعية.

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات