الاستعمار الفرنسي للجزائر.. آثار حية لجرائم بشعة

الاستعمار الفرنسي للجزائر.. آثار حية لجرائم بشعة 

من أبرز جرائم الاستعمار التجارب النووية والإبادة الجماعية، وباريس ترفض الكشف عن أماكن التجارب لمعالجة المخلفات فنيا وتعويض المتضررين

لا تزال التفجيرات النووية والمجازر التي ارتكبتها فرنسا الاستعمارية بحق الجزائريين، تلقي بظلالها على حياة سكان البلد العربي، فآثارها مستمرة رغم مضي أكثر من نصف قرن على استقلاله عام 1962.

وفي 8 أبريل/نيسان الجاري، دعا رئيس أركان الجيش الجزائري سعيد شنقريحة، فرنسا إلى تسليم بلاده خرائط حول أماكن التجارب النووية، التي أجريت بصحرائها في ستينيات القرن الماضي، لتطهير المنطقة من الإشعاعات.

وقال شنقريحة، لدى استقباله رئيس أركان الجيوش الفرنسية فرانسوا لوكوانتر: "أنتظر دعمكم، خلال انعقاد الدورة 17 للفوج المختلط الجزائري- الفرنسي (حول ملف التجارب) المزمع في مايو (أيار) 2021".

وأضاف أن انعقاد الدورة يهدف إلى "التكفل النهائي بعمليات إعادة تأهيل موقعي "رڨان" و"إن إكر" (جرت بهما تجارب نووية)، وموافاتنا بالخرائط الطبوغرافية، لتحديد مناطق دفن النفايات الملوثة، المشعة أو الكيماوية غير المكتشفة لحد اليوم".

وفي 13 فبراير/ شباط الماضي، أحيت الجزائر الذكرى الحادية والستين لأول تجربة نووية فرنسية في منطقة "رقان" بالصحراء عام 1960، في عملية سُميت "الجربوع الأزرق".

وآنذاك، قال وزير الخارجية الجزائري صبري بوقدوم، إن "التفجير النووي الفرنسي كان بقوة 70 كيلوطنا، وهو ما يعادل من ثلاثة إلى أربعة أضعاف قنبلة هيروشيما (التي قصفت بها الولايات المتحدة اليابان عام 1945) وكان له تداعيات إشعاعية كارثية".

وما بين 1960 و1966، أجرت السلطات الاستعمارية الفرنسية سلسلة تجارب نووية بالصحراء الجزائرية (4 فوق الأرض و13 تحتها)، بحسب مسؤولين فرنسيين، بينما يقول مؤرخون جزائريون إن العدد أكبر.

ورسميا وشعبيا، تطالب الجزائر إلى اليوم باريس، بالكشف عن أماكن مخلفاتها النووية، لمعالجة الأمر فنيا، وتعويض الضحايا، وهو ما ترفضه فرنسا.

** 5.5 مليون قتيل

بجانب التفجيرات النووية، تعرض الجزائريون لأبشع الجرائم من طرف جيش الاستعمار الفرنسي على مدار 132 عاما.

وفي 7 مايو/ أيار 2020، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، إن فرنسا "قتلت نصف سكان الجزائر منذ 1830 إلى غاية 1962، وعدد الضحايا بلغ 5.5 ملايين".

وهو يقصد الضحايا خلال الحقبة الاستعمارية بكاملها (1830 - 1962)، وليس فترة الثورة التحريرية (1954- 1962)، والتي تحصي 1.5 مليون قتيل.

ولعل أبرزها مجاز 8 مايو/أيار 1945، حيث قتلت قوات الاستعمار في مناطق سطيف وقالمة وخراطة (شرق)، وفق تقديرات رسمية، 45 ألف شخص، خرجوا في مظاهرات للمطالبة باستقلال بلادهم.

وفي 3 يوليو/تموز الماضي، استعادت الجزائر رفات 24 من قادة المقاومة الشعبية ضد الاحتلال الفرنسي، بعد 170 عاما على احتجازها بمتحف "الإنسان" في باريس.

وكشفت وسائل إعلام فرنسية في 2016، عن وجود 18 ألف جمجمة تعود لجزائريين قُطعت رؤوسهم، محفوظة في هذا المتحف، منها 500 فقط تم التعرف على هويات أصحابها.

وفي 17 أكتوبر/ تشرين الأول 1957، تظاهر حوالي 60 ألف جزائري في باريس ضد استعمار فرنسا لبلدهم، وطالبوا بالاستقلال، فواجهتهم بالرصاص وألقت بالعشرات منهم في نهر "السين".

وحسب تقديرات، بلغت حصيلة الضحايا 1500 قتيل، و800 مفقود، إضافة إلى آلاف المعتقلين.

** التعويضات والخرائط

وقال كمال بلعربي، نائب برلماني جزائري سابق، للأناضول، إن "مطالبة فرنسا بخرائط التفجيرات النووية هو مطلب شعبي ورسمي".

وأضاف بلعربي، وهو صاحب مبادرة سن قانون لـ"تجريم الاستعمار" سابقا في البرلمان: "مطالب الجزائريين تتعلق بتعويض ضحايا التفجيرات واستعادة خرائط أماكن التجارب، وكل ما يتعلق بهذه الجريمة".

وأضاف: "التفجيرات في رقّان وعين إكر تساوي أربعة أضعاف القصف النووي الأمريكي على هيروشيما وناجازاكي باليابان".

وتابع: "السلطات الجزائرية وضعت رسميا ملفا، سنة 2020، على مستوى الأمم للنظر في تعويض فرنسا لضحايا التفجيرات النووية، لكن القضية لم تتحرك".

وعن أبشع مجازر فرنسا، قال بلعربي إن "الاستعمار قتل نحو 70 ألف جزائري، وليس 45 ألفا، يوم 8 مايو/آيار 1945، عندما طالب الجزائريون سلميا باستقلالهم ومطالبة فرنسا بالوفاء بوعدها بعد نهاية الحرب العالمية الثانية (1939- 1945)".

وأردف أن "عدد ضحايا مجازر 8 مايو 1945 موثق في الأرشيف الأمريكي بـ70 ألف ضحية".

وشدد على أن "الجزائر لن تسكت عن حقها وستظل تطالب بالتعويضات في حق ضحايا التفجيرات ومختلف الجرائم".

** إبادة واستيطان

أما عامر رخيلة، مؤرخ ومحامٍ، فقال للأناضول، إن "السياسة الاستعمارية الفرنسية ارتكزت على تشجيع الاستيطان في الجزائر، وتحويل الطابع الجزائري الإسلامي إلى طابع أوروبي".

وأضاف: "لذلك اتخذت (فرنسا) سياستين متوازيتين، وهي تشجيع الاستيطان الأوروبي وليس الفرنسي فقط، لتمكينهم من خيرات البلاد الفلاحية خاصة في شمالها".

وتابع: "كما اعتمدت على التصفية العرقية، حيث ارتكبت جرائم إبادة في حق الجزائريين لتحقيق تفوق الجنس الأوروبي على الجزائري".

وقال رخيلة إن "فرنسا انتهجت نفس السياسة طيلة القرن الـ19، وفي القرن الـ20 اعتمدت التضييق على الجزائريين وتهجيرهم وسلبهم كل وسائل الحياة".

ولفت إلى أن "فرنسا عام 1945 ارتكبت مجزرة بشعة في حق الشعب الجزائريين من 8 إلى 16 مايو 1945، وقتلت 45 ألف شخص".

والأخطر، حسب رخيلة، أن فرنسا بدأت سنة 1935 تسعى للانتساب إلى ما يسمى بـ"النادي النووي"، وتمكنت من ذلك بتفجير أول قنبلة نووية في 13 فبراير/شباط 1960، بصحراء الجزائر.

و"المؤسف أنّها خالفت لوائح القانون الدولي، وجعلت الجزائر حقل تجارب لتفجيراتها النووية"، حسب رخيلة.

وأوضح أن "فرنسا ظلت تقوم بتجاربها إلى غاية 1966، في حين استمرت التجارب البيولوجية إلى 1978".

وتابع أنه "بين 1960 و1966 حفر الاستعمار خنادق في الجنوب الجزائري لرمي وردم المخلفات النووية التي أكلت الزرع والضرع".

وشدد على أن "جريمة المخلفات النووية مستمرة، عن طريق تفشي الأمراض وتلوث البيئة وانقراض الحيوانات".

وتابع: "من حق الجزائر المطالبة باستعادة الخرائط التي تحدد أماكن التفجيرات والخنادق التي تضم بقايا التفجيرات والمواد المشعة التي لا تزال أثارها مستمرة إلى اليوم".

وختم بأن "عدد ضحايا التفجيرات يعدّ بالآلاف، ولكن لا يمكن إحصاؤه بدقة، باعتبار أنّها تمت بعيدا عن الإعلام والمنظمات الحقوقية".

 

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات