حديث سعيد عن الحوار الوطني.. هل يمهد لخروج تونس من أزمتها؟

حديث سعيد عن الحوار الوطني.. هل يمهد لخروج تونس من أزمتها؟ (تقرير)

- رئيس تونس قال إنه سيتقدم قريبا بـ"مبادرات تستجيب لمطالب الشعب" وأبدى "استعداده لتصوّر للحوار" الوطني لمعالجة أزمات البلاد، شريطة أن يكون مختلفا عما سبقه - مستشار حركة "النهضة" رياض الشعيبي: قبول رئيس الدولة بالحوار مؤشر إيجابي نتمنى تطوره إلى عمل فعلي.. نرحب بحوار دون شروط تحترم الأطراف نتائجه - محلل سياسي بولبابة سالم: في ظل الظروف الحالية تصريح رئيس الدولة بقبوله الحوار الوطني يُعتبر تحوّلا ويبدو أنه شعر أنه معزول - محلل سياسي الحبيب بوعجيلة: لم ألمس أي جديد في ما قاله الرئيس.. وأطراف تريد صراعا بين الرئيس و"النهضة" للتخلص منهما بضربة واحدة

تتباين قراءات محللين وسياسيين لمستقبل المشهد التونسي، المتأزم سياسيا واقتصاديا، منذ إعلان الرئيس قيس سعيد ترحيبه بحوار وطني، شريطة أن يختلف عما سبقه، وإعلان اعتزامه التقدم "قريبا" بمبادرات "تستجيب لمطالب الشعب".

وفق بولبابة سالم، محلل سياسي تونسي، فإنه "في ظل الظروف الحالية، يعتبر تصريح رئيس الدولة تحوّلا".

وأضاف: "يبدو أن الرئيس شعر أنه معزول، فالمبادرة (الحوار) لم يطرحها حزب سياسي، بل طرحتها منظمة شغيلة (الاتحاد العام التونسي للشغل) لها تاريخ في حلحلة الأزمات، والرئيس بقبولها كأنه صار نوع من التراجع عن الرفض السابق".

وسعيد هو أستاذ جامعي سابق لا ينتمي لحزب سياسي، ويتولى الرئاسة منذ 23 أكتوبر/ تشرين الأول 2019، في ولاية من 5 سنوات.

وتابع: "يبدو أن لقاءه (سعيد) بالأمين العام لحركة الشعب (ناصرية- 15 نائبا من 217)، زهير مغزاوي (الثلاثاء)، قد غير الأمور، فالمغزاوي دعاه إلى حلحلة الأزمة والتقدم بمبادرات لمجلس النواب والعناية بالجانب الصحي، وخاصة لقاحات كورونا، فالدور الدبلوماسي الذي يمسكه الرئيس ضعيف في هذا الجانب ".

وخلال لقائه مع المغزاوي، قال سعيد: "سأتقدم قريبا بمبادرات تستجيب لمطالب الشعب"، و"أبدى استعداده لتصوّر للحوار للخروج من هذا الوضع الذي تعيشه تونس"، شريطة أن يكون مختلفا عما عرفته تونس في الأعوام الماضية، مع وجوب "البحث عن حلول جدّية لقضايا الشعب"، وفق بيان للرئاسة.

واعتبر سعيد أن "تشخيص المشاكل متفق عليه.. أما ما هو موضوع خلاف، فيتعلق بالنزاعات المعلنة وغير المعلنة حول المناصب والامتيازات".

** مؤشر إيجابي

متفقا مع سالم حول أهمية تصريح سعيد، قال رياض الشعيبي، المستشار السياسي لرئيس حركة "النهضة"، صاحبة أكبر كتلة برلمانية: "هي خطوة إيجابية، ومنذ البداية كنا (الحركة- 54 نائبا) نطالب بالحوار بين كل مؤسسات الدولة وكل القوى السياسية الاجتماعية الفاعلة".

وأضاف الشعيبي للأناضول: "نرحب بالإشارات الإيجابية التي صدرت عن رئيس الدولة لقبوله بالحوار، ونعتبرها مؤشرا إيجابيا نتمنى أن يتطور إلى عمل فعلي في الواقع".

وتابع: "منذ بداية الأزمة السياسية، كنا نطالب بحوار مباشر بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة للوصول إلى حلّ للأزمة السياسية التي تعيشها البلاد".

وبجانب أزمة اقتصادية حادة فاقمتها تداعيات جائحة "كورونا"، تعاني تونس أزمة سياسية، إذ تسود خلافات بين سعيد ورئيس الحكومة، هشام المشيشي؛ بسبب تعديل وزاري أعلنه الأخيرة في 16 يناير/كانون الثاني الماضي.

ورغم مصادقة البرلمان على التعديل، إلا أن سعيد يرفض دعوة الوزراء الجدد لأداء اليمين الدستورية أمامه، معتبرا أن التعديل شابته "خروقات"، وهو ما يرفضه المشيشي.

وعن عدم قبول سعيد بالحوار وقتها قال الشعيبي: "ربما في حينها المناخات كانت غير مناسبة وكانت الأطراف المتنازعة في رئاسة الحكومة ورئاسة الدولة غير متحمسة كثيرا لموضوع الحوار".

واستدرك: "لكن يبدو أنه مع الوقت ترسخت القناعة أن الأزمة السياسية التي تعيشها البلاد لا يمكن الخروج منها إلا بحوار سياسي".

وأوضح الشعيبي أن هذا الحوار هو بين رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة ورئاسة البرلمان (يترأسه راشد الغنوشي رئيس حركة النهضة)، وحوار أيضا بين مختلف الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية لوضع رؤية وتصور واحد لمساعدة تونس على الخروج من أزمتها الاقتصادية والصحية الحالية."

** لا جديد

لكن الحبيب بوعجيلة، محلل سياسي تونسي، لا يتفق مع سالم والشعيبي في التفاؤل بتصريح سعيد بشأن الحوار.

وقال بوعجيلة للأناضول: "لم ألمس في ما قاله الرئيس أي جديد، هو يفكر في استعداد لتصوّرٍ للحوار وليس للحوار".

وتابع: "رئيس الجمهورية ما زال متمسكا بألا يكون الحوار مثل الحوارات السابقة".

وفي 2013، شهدت تونس حوارا وطنيا، إثر موجة اغتيالات سياسية وعمليات إرهابية أفضى إلى تخلي "الترويكا" عن الحكم (ائتلاف بين النهضة وحزبين علمانيين)، وتشكيل حكومة تكنوقراط، بقيادة مهدي جمعة .

وأردف بوعجيلة: "سعيد لا يتصوّر أن الحوار هو محاولة لحل أزمة سياسية راهنة نحو الوصول لتسويات حول التحوير (التعديل) الوزاري والذهاب إلى توافقات تخص الوضع الاقتصادي والاجتماعي للخروج من الأزمة الحالية والحرب ضد كورونا".

واستطرد: "بل هو (سعيد) يرى أن الحوار يجب أن يكون حول مراجعة المنظومة الحالية كلها.. سعيد يريد تفعيل الحوار لصياغة المشهد الذي يريده."

ويؤيد سالم ما ذهب إليه بوعجيلة بقوله إن "رئيس الدولة يريد الظهور بمظهر غير الرافض للحوار، لكن الحوار بالصيغة التي يراها هو، فالرئيس له اعتراض على بعض الأطراف التي يتهمها بالفساد".

وزاد سالم بأن "الدعوة إلى الحوار في حدّ ذاتها فيها إرادة للخروج من الأزمة وفيها رسالة إيجابية".

** تحفظات الرئيس

لا يبدو الشعيبي متشائما، ويبدي تفهما لـ"شروط الرئيس للحوار".

وقال إن "وجهة نظر الرئيس مختلفة عن الآخرين، هذا حقه المشروع قبل بداية الحوار وأثنائه أيضا، المهم أن يفضي الحوار إلى توافقات تشترك فيها كل الأطراف".

وتابع: "ليس هناك إشكال في التحفظات التي يعبّر عنها رئيس الجمهورية باعتبارها تعكس جزءا من وجهة نظره وقراءته للمشهد السياسي، وله كامل الحق مثله مثل أي مؤسسة في الدولة أو أي قوة سياسية أو اجتماعية أن تكون له قراءته الخاصة."

وأعرب عن اعتقاده بأن "وثيقة الحوار الوطني التي طرحها الاتحاد العام التونسي للشغل يمكن أن تكون أرضية لتحديد الأولويات والقضايا المعنية بالحوار السياسي، وأولوية الاقتصادي والاجتماعي والصحي أصبح حولها إجماع وطني".

ومطلع ديسمبر/ كانون الأول الماضي، أطلق الاتحاد مبادرة تقوم على حوار "تشاركي شامل يُرسي أسس عدالة اجتماعية، ويعدل بين الجهات ويساوي بين التونسيين ويحد من الفقر والجور والحيف الاجتماعي‎".

وأردف الشعيبي أن "الأزمة التي تعيشها تونس في هذه المستويات تستوجب أن يتركز عليها الحوار، ووجهة نظر حركة النهضة تتطابق مع الاتحاد في هذا الموضوع."

وشدد على أنه "ليس لدى النهضة تحفظ في نقاش أي قضية سياسية، وتعتبر أن الصراحة في النقاش وطرح المواقف هو الشرط الأساسي لبناء الثقة، وعندما تطرح القضايا داخل الحوار سنعبر عن وجهة نظرنا بكل صراحة".

** مصير المشيشي

ويذهب متابعون إلى أن سعيد يمارس ضغوطا، خاصة على حركة "النهضة"، وهي الحزب الرئيس في الحزام السياسي الداعم للمشيشي، من أجل التخلي عن الأخير.

لكن سالم استبعد تضحية "النهضة" بالمشيشي لإرضاء سعيد "نظرا لتمسك حلفائها به، وخاصة (حزب) قلب تونس (ليبرالي- 30 نائبا)".

واعتبر أن "من يريد إزاحة المشيشي هو من يريد العودة للسلطة، وخاصة حركة الشعب والتيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي 22 نائبا)".

وكان التيار والحركة في ائتلاف مع "النهضة" في حكومة إلياس الفخفاخ بين مارس/ آذار وأغسطس/ آب 2020.

ورأى سالم أن "ما يدعم بقاء المشيشي في الحكم هو أيضا الدعم الخارجي، فالولايات المتحدة مستعدة لدعم تونس في مفاوضاتها مع صندوق النقد الدولي، شريطة الاستقرار السياسي، والبلاد لا تتحمل تشكيل حكومة جديدة".

وأعرب عن تأكده "من بقاء حكومة المشيشي في المرحلة القادمة".

ورأى بوعجيلة أن "داخل حركة النهضة هناك تمسك دائم بالحوار ورغبة في عدم الدخول في أي مواجهة مفتوحة مع الرئيس، لأنها تدرك فعلا أن بعض الأطراف تريد الدفع إلى صراع قطبي بين الرئيس والنهضة للتخلص من الاثنين بضربة واحدة".

وأضاف: "داخل النهضة هناك أطراف تعتبر أنه يجب أن تعبّر عن أكثر من حسن النية مع الرئيس، وتطرح كل شيء للحوار، بما في ذاك المشيشي."

وأردف: "أنا متأكد أنه سياسيا يستحيل على النهضة، ولاعتبارات عديدة، طرح التخلي عن المشيشي، هو يحظى بدعم واضح من المنظمات الاجتماعية وقوى دولية تقف إلى جانبه ومع استقرار الحكومة".

وتابع: "لا أتصور أن الرئيس في وضع مريح يسمح له بالتصرف باستمرار في اتجاه تعطيل المسار السياسي والاقتصادي".

أما الشعيبي فقال إنه "ليس هناك شخص في موقعه إلى ما لا نهاية، وكل شخص في أي موقع داخل الدولة سيقضي مدة معينة ثم سيترك مكانه لغيره".

وأوضح أن "الحديث ليس عن تأبيد المشيشي في موقعه أو غيره، وإنما قراءة حركة النهضة للوضع في مرحلة ما رأت أن المشيشي يمكن أن يكون عنصر استقرار في العمل الحكومي، ولذلك تمسكت به".

وختم حديثه بالتشديد على أن "الحوار الوطني غير المشروط، الذي تنادي به النهضة، هو الحوار السياسي مع مختلف الشركاء السياسيين وليس فيه شروط، لا من النهضة ولا في المقابل من رئيس الجمهورية ولا الأطراف الأخر، وأن تحترم الأطراف التي ستشارك في الحوار نتائجه".

 

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات