هل تتم المصالحة الخليجية؟ (تحليل)
رجحت أوساط سياسية عربية ودولية أن تشهد القمة الخليجية المقبلة توقيعا بالحروف الأولى على وثيقة مبادئ لإرساء أسس جديدة لمصالحة قطرية مع دول المقاطعة الأربع، أو مع السعودية بمفردها كخطوة أولى.
حتى الآن، لم يُحدد بالضبط موعد القمة المقررة خلال الشهر الجاري في البحرين، أو موعد اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية من أجل التهيئة لاجتماع القمة، أو ما إذا كانت القمة ستُنقل إلى الرياض أو الكويت، أو تُعقد بحضور قادة المجلس أم افتراضيا.
منذ الساعات الأولى للأزمة، في 5 يونيو/حزيران 2017، تولت دولة الكويت لعب دور الوسيط "الرسمي" إلى جانب وسطاء آخرين، مثل الولايات المتحدة وسلطنة عمان.
ووجه أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، الإثنين، الشكر لأمير الكويت، نواف الأحمد، وسلطان عُمان، هيثم بن طارق، لجهودهما في دفع عجلة المصالحة الخليجية، تزامنًا مع حراك متصاعد لحل الأزمة.
وبعد يومين من تسريبات نشرتها صحف أمريكية عن قرب التوصل لاتفاق مصالحة، اتضح أن وساطة الكويت حققت إنجازا "محسوبا"، الجمعة، أفصح عنه وزير خارجيتها ببيان حول الأزمة بين قطر والدول الأربع، السعودية والإمارات والبحرين ومصر.
البيانات والتصريحات الكويتية أكدت على التوصل إلى اتفاق نهائي لحل النزاع الخليجي، بما يضمن وحدة مجلس التعاون لدول الخليج العربية، من دون أي تفاصيل عن اتفاق بين قطر والسعودية.
ورحبت قطر والسعودية بما أعلنت عنه الكويت، مع غموض نسبي في موقف دول المقاطعة الأخرى، الإمارات والبحرين ومصر.
ومن المنامة، أعلن وزير الخارجية السعودي، فيصل بن فرحان، السبت، أن حل الأزمة بات "في الأفق بمشاركة جميع الدول المعنية".
وهو ما فسره متابعون بوجود نوع من التفاهم بين السعودية والدول الثلاث للمضي باتجاه إنجاز الاتفاق النهائي بوساطة مشتركة كويتية أمريكية بين قطر من جهة والسعودية "نيابة عن الجميع" من جهة أخرى، أي عبر "التنسيق السعودي الكامل مع الشركاء"، حسب الوزير السعودي في تصريحات نقلتها "فرانس برس".
وهو ما أكده وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش، الثلاثاء، بقوله إن بلاده تدعم "المساعي السعودية الخيرة وبالنيابة عن الدول الأربع".
وأشار قرقاش بـ"المساعي السعودية" إلى جهود المصالحة بين قطر ودول المقاطعة، دون أن يفصح عن موقف بلاده منها، بينما أشاد بجهود الكويت والمساعي الأمريكية لـ"تعزيز التضامن في الخليج العربي".
يمكن أن تبدأ "المصالحة" المرتقبة بين قطر والسعودية في المرحلة الأولى، على أن تنضم الدول الثلاث الأخرى إلى اتفاق المصالحة في مراحل لاحقة، وفق تقارير غربية.
في مقابل ذلك، يرى مراقبون أن البحرين ستنضم مع بداية الإعلان الرسمي عن المصالحة دون أن تتبنى مواقف خارج إطار التوجهات السعودية، مع عدم التقدم بتطبيع علاقاتها مع قطر.
وتشهد العلاقات القطرية البحرينية خلافات جديدة حول الحدود البحرية عادت إلى صدارة المشهد بعد اعتراض زورقين بحريين من جانب أمن السواحل والحدود القطرية، وهو ما اعتبره وزير الخارجية البحريني "عدوانا عسكريا قطريا هدفه الابتزاز والاستفزاز السياسي".
وتأتي أهمية الموقف البحريني من استضافة المنامة للقمة الخليجية المقبلة، التي تحدثت صحف كويتية، مثل "الرأي"، عن أنها ستكون مكانا لإعلان المصالحة رسميا.
لكن الإمارات، وحسب متابعين، من المحتمل أن تحافظ على موقفها من قطر دون إبداء أي اعتراض على الموقف السعودي في إبرام مصالحة متوقعة خلال مؤتمر القمة الخليجية.
أما مصر، فلا يُعتقد أنها ستطبع علاقاتها مع قطر، حيث تشهد علاقات البلدين خلافات حادة منذ عام 2013 ونجاح الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بالانقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي.
وكذلك في ظل استمرار الخلافات بين مصر وقطر على خلفية استضافة الأخيرة لقيادات من جماعة الإخوان المسلمين مطلوبة للقضاء المصري، ودعم قطر لحركات الإسلام السياسي وثورات الربيع العربي، التي تناهضها الحكومة المصرية بالتحالف مع الإمارات في قيادة ما تُسمى بـ"الثورة" المضادة ومحاربة حركات الإسلام السياسي، مثل جماعة الإخوان المصنفة على قائمة المنظمات الإرهابية في البلدين.
ولا تزال مصر والإمارات على الأقل تتمسكان بشرط قطع علاقات قطر مع جماعة الإخوان، وخفض العلاقات مع إيران التي تتشارك بحقل غاز مع قطر.
الدول الخمس المعنية بالأزمة الخليجية جميعها من حلفاء الولايات المتحدة، وتستضيف عدا مصر قوات وقواعد أمريكية، وهي جميعا، بالإضافة إلى واشنطن، تعلن حرصها على التضامن والوحدة داخل مجلس التعاون لدول الخليج العربية، التي لا يمكن تحقيقها دون مصالحة مع قطر.
وكانت دول المقاطعة أعلنت في 2017 عن 13 شرطا يتوجب على قطرتطبيقها قبل عودة العلاقات إلى طبيعتها، لكن الدوحة رفضت الشروط، التي رأت أنها تمس سيادتها واستقلالية قرارها، كما رفضت الاتهامات التي جاءت فيها.
صمدت قطر لأكثر من ثلاثة أعوام ونصف دون أن تحقق دول المقاطعة الرباعية أهدافها في انهيار الاقتصاد القطري، حيث نجح في التكيف مع الأوضاع غير الاعتيادية جراء قرار المقاطعة في 5 يونيو/حزيران 2017، وإغلاق المنفذ البري الوحيد مع السعودية، وغلق أجواء الدول الأربع ومياهها الإقليمية أمام قطر.
لم تُعلن أي تفاصيل عن ما توصلت إليه الأطراف المعنية بالحوار من أجل المصالحة، لكن تقارير إعلامية غربية، استندت على مصادر لم تفصح عن هويتها، وضعت الصفقة غير المعلنة في سياق التمهيد لاستلام جو بايدن الرئاسة الأمريكية (في 20 يناير/ كانون الثاني المقبل)، وعزم بلاده إبرام صفقة مع إيران حول ملفها النووي وبرنامج الصواريخ البالستية.
بينما ذهب آخرون إلى أن واشنطن بحاجة إلى وحدة الصف الخليجي في مواجهة "مرتقبة" بين الولايات المتحدة وإيران، خلال الفترة المتبقية من رئاسة دونالد ترامب.
ويرى هؤلاء أن مواجهة كهذه بحاجة إلى إعادة فتح الأجواء السعودية والإماراتية والبحرينية أمام الرحلات الجوية من قطر وإليها، لتجنيب الطائرات المدنية أخطار المواجهة، إضافة إلى أن فتح مثل هذه الأجواء سيحرم إيران من نحو 100 مليون دولار سنويا هي عائدات مرور الطيران القطري عبر أجوائها.
ويُعتقد أن مسألة إعادة فتح الأجواء أمام الرحلات القطرية جاءت ضمن نقاشات أجراها المستشار في البيت الأبيض، جاريد كوشنير، خلال جولة شملت قطر والسعودية فقط، رافقه خلالها وفد ضم مسؤولين أمريكيين، بينهم المبعوث الأمريكي الخاص بإيران.
لا توجد مؤشرات حقيقية على طي الخلاف والذهاب إلى مصالحة شاملة مع قطر. ولا تزال البيانات والتصريحات السعودية وغيرها بعيدة عن التصريحات الكويتية، كما أنها لم تجزم بتحقيق المصالحة حتى مع أجواء تفاؤل تسود الأوساط السياسية في قطر والسعودية بقرب التوصل إلى المصالحة.
ولعب الإعلام دورا بارزا في تأجيج حدة الخلافات وتعميق الأزمة طيلة سنوات، ومع ذلك لا تزال لغة الخطاب الإعلامي المتبادل "عدائية"، باستثناء تخفيف حدة خطاب شبكة "الجزيرة" القطرية تجاه السعودية، والتركيز أكثر على مصر والإمارات.
لا يوجد تعليقات