السياسة المالية.. وأهميتها كأداة اقتصادية عامة

كتب/ فاضل الحايك

- ماهي السياسة المالية؟ وما أبرز أدواتها وآليات عملها؟

- ما علاقتها بالاضطرابات السياسية؟ 

- ما دورها مقارنة بالسياسة النقدية؟ وما هي أبرز الفروق بينهما؟


تحدثنا سابقًا عن السياسة النقدية وكيف تعتمد على ثنائية العرض والطلب لتحقيق التوازن في الاقتصاد الكلي، وللأمانة لا يمكن تحقيق هذا التوازن الاقتصادي بمعزل عن السياسة المالية والتي تعمل مع السياسة النقدية كجناحي طائر يطير بتناغم. 


ما هي السياسة المالية Fiscal policy؟
تشير السياسة المالية إلى استخدام النفقات والإيرادات الحكومية للتأثير على الاقتصاد الكلي، بما في ذلك التضخم والنمو الاقتصادي والطلب الكلي. 


مفهوم السياسة المالية
أعطت السياسة المالية دورًا وأهمية أكبر للدولة للتأثير في الواقع الاقتصادي خاصة أثناء الأزمات، وتعتمد السياسة المالية إلى حد كبير على نظريات الاقتصادي البريطاني جون ماينارد كينز، الذي يعتقد أن الحكومات يمكن أن تؤثر في مستويات الطلب الكلي والنشاط الاقتصادي من خلال أدوات السياسة المالية لتعويض النقص في القطاع الخاص الذي يتصف بتغير أداءه وفقًا للعوامل النفسية مما يجعله غير مؤهل للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي.


أدوات السياسة المالية
هناك العديد من الأدوات التي تصنف ضمن السياسات المالية وتختلف باختلاف توجهات الدولة، ويمكن سرد هذه الأدوات في التالي:

١ - النفقات العامة: وهي من أهم الأدوات التي تستخدمها الدولة وتحقق تأثير مالي مباشر في الاقتصاد، ويمكن تعريفها بأنها المبالغ النقدية التي يدفعها القطاع العام بهدف تحقيق النفع العام، وتصنف إلى:
أ - الإنفاق الحقيقي (المباشر): ويشمل الإنفاق الاستهلاكي مثل الرواتب والأجور، والإنفاق الاستثماري كمشاريع الإنتاجية والبنية التحتية الأساسية والمشاريع الاجتماعية. 
ب - الإنفاق التحويلي (غير المباشر): ويشمل جميع النفقات التي لا تحصل الدولة على مقابل لها، وتتمثل في الإعانات الاجتماعية لفئة معينة بهدف تحسين معيشتها، والإعانات الاقتصادية التي تقدمها الدولة إلى القطاعات الإنتاجية بهدف تخفيض الأسعار وزيادة الإنتاج لبعض السلع الأساسية. 

٢ - الإيرادات الضريبية: تعد الضرائب أداة اقتصادية قوية أيضًا، ولها تأثير كبير على الدخل والاستهلاك والاستثمار. وتعرّف بأنها مبلغ من المال تقتطعه الدولة بهدف تمويل النفقات، وتستهدف هذه الأداة (كسياسة مالية) الدخل العام للأفراد أو الشركات، بغرض زيادته أو تخفيضه بما يؤثر على الأموال المتاحة للإنفاق، وهذا بدوره يؤثر على الطلب العام وعلى الوضع الاقتصادي، على أن عملية تخفيض أو زيادة الضرائب تخضع لنوع السياسة المالية المراد تحقيقها.


أنواع السياسات المالية
تختلف آلية استهداف الاقتصاد بأدوات السياسة المالية باختلاف الهدف المراد تحقيقه، حيث تتنوع الأدوات بين التوسعية أو الانكماشية. 

١- السياسة المالية التوسعية
يمكن أن يؤدي الخوف وعدم اليقين بين الأفراد والشركات إلى انخفاض الانفاق وإحداث ركود اقتصادي، عندها يمكن للحكومة أن تنفق أكثر (زيادة رواتب وإعانات) أو تفرض ضرائب أقل، أي أن الناس سيتاح لها المزيد من النقود للإنفاق أو الاستثمار، مما يؤدي إلى ارتفاع الطلب الكلي، وهذا يدفع الشركات إلى مزيد من التوظيف، مما يؤدي إلى رفع الأجور وزيادة الدخل مرة أخرى. 

والجدير بالذكر أن أغلب الدول اعتمدت السياسات التوسعية سواء كانت مالية أو نقدية لتخفيف الآثار السلبية التي أحدثها الوباء الصحي العالمي. 

٢- السياسة المالية الانكماشية
إذا قام القطاع الخاص بالإنفاق بسرعة كبيرة على الاستهلاك والمشاريع الاستثمارية الجديدة، فإن ذلك يمكن أن يخلق طلب متزايد يؤدي إلى تضخم اقتصادي، ولكبح هذا التضخم تتبع الحكومة سياسة مالية انكماشية حيث تنفق أقل عن طريق تخفيض الأجور والوظائف أو تفرض ضرائب أعلى. أي أن الناس سيتاح لها نقود أقل للإنفاق أو الاستثمار، مما يؤدي إلى انخفاض الطلب الكلي، وإحداث ركود قصير من أجل إعادة التوازن إلى الاقتصاد.


مقارنة بين السياسة المالية والسياسة النقدية
هناك الكثير من الجدل حول ما إذا كانت السياسة النقدية أو السياسة المالية هي الأداة الاقتصادية الأفضل، وبطبيعة الحال لكل سياسة إيجابيات وسلبيات يجب مراعاتها. وفيما يلي مقارنة بسيطة بين السياستين:

من حيث سرعة ظهور النتائج 
على الرغم من تميز السياسة النقدية بسهولة التنفيذ مقارنة بالسياسة المالية (مثلاً مجرد تصريحات البنك المركزي قد تكفي لتوجيه الاقتصاد)؛ إلا أنها تحتاج إلى بعض الوقت لتظهر نتائجها، بينما قد تظهر نتائج السياسة المالية بشكل مباشر إلى درجة التأثير في الدخل خلال فترة قصيرة. 

من حيث علاقتهما بالوضع السياسي
تعتبر البنوك المركزية (صانعة السياسة النقدية) مستقلة نوعًا ما مقارنة بالسياسة المالية التي قد تخضع لاعتبارات سياسية، فمثلاً قد يؤدي التقشف المالي إلى إحداث اضطرابات سياسية، في حين قد يروج المرشحين في الانتخابات للتوسع المالي لكسب الأصوات على حساب ميزانية الدولة. لذلك غالباً ما يميل الاقتصاديون إلى اعتماد السياسة النقدية في حالة الانكماش والسياسة المالية في حالة التوسع.

من حيث القدرة على الاستهداف
تعتبر السياسة النقدية عامة وتؤثر على الاقتصاد بأكمله على عكس السياسة المالية التي يمكن توجيهها لتنشيط قطاع اقتصادي معين مثل (تنشيط التصدير عن طريق الإعفاءات الضريبية) أو تستهدف فئة اجتماعية معينة لتحقيق العدالة الاجتماعية، كأن تفرض معدلات عالية من الضرائب على الفئات الأعلى دخلاً، أو زيادة رواتب الفئات الأقل دخلاً. 

من حيث الأهمية والتأثير
عندما يتعلق الأمر بالتأثير على نتائج الاقتصاد الكلي لا يمكن ترجيح أهمية سياسة على أخرى، حيث تُستخدم أدوات كلاً من السياسة النقدية والمالية بشكل متضافر للحفاظ على توازن الاقتصاد واستقرار الأسعار، وإذا أخذنا بعين الاعتبار ثنائية العرض والطلب فإن أي إفراط في التوسع أو الانكماش في إحدى السياستين سيكون له نتائج سلبية.

للاطلاع على كامل سلسلة ومضة اقتصادية ... هنا

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات