ما مدى إمكانية تطبيق دعوة أردوغان لإنشاء "بنك إسلامي ضخم" وتأثيرها على العالم الإسلامي؟ (تقرير)
سعت الحكومة التركية منذ عام 2002 تزامنا مع تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في البلاد، إلى تضمين برامجها الحكومية أهدافا جديدة تتعلق بالتمويل الإسلامي والبنوك التشاركية والتمويل (اللاربوي) كقطاع استراتيجي لا غنى عنه في سياسة تركيا المالية والمصرفية.
ومع التغيرات الدولية التي حصلت على مدى الأعوام الـ20 الماضية، وما رافقها من أزمات مالية عالمية خاصة خلال 2008، ومؤخرا خلال أزمة انتشار وباء "كورونا" حول العالم، كان لا بد للدول أن تتكيف مع المعطيات الجديدة، خاصة تلك الفقيرة والنائية منها، التي تأثرت بشكل مباشر بتداعيات الوباء.
وفي هذا الإطار، تسعى تركيا إلى إقامة مشروع "بنك إسلامي ضخم" يلم شتات العالم الإسلامي، ويسهم في دعم البنى التحتية فيه، ويكون ملجأ له خلال فترات الأزمات التي قد تعصف بدوله وشعوبه، وفق ما أشار إليه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، في العديد من التصريحات.
وكان من جملة تلك التصريحات، كلمة أردوغان التي ألقاها خلال اجتماع القمة العاشرة لمجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية، التي استضافتها بنغلاديش عبر الاتصال المرئي، في الثامن من نيسان/أبريل الجاري.
ودعا أردوغان في كلمته إلى "تجديد مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8) وفق المتطلبات الراهنة".
وأكد أردوغان ضرورة تحويل "الثماني الإسلامية" إلى كيان يركز على المشاريع والإنجازات، مشددا في الوقت نفسه أنه "يجب أن نركز على التجارة بالعملات المحلية من أجل حماية بلداننا من المخاطر الناجمة عن أسعار الصرف".
وفي كلمته، طرح أردوغان تفعيل فكرة "إنشاء بنك إسلامي ضخم على أساس منصة إلكترونية، تلبي في آن احتياجات السيولة للمؤسسات المالية الإسلامية وتمويل البنية التحتية المتزايدة في العالم الإسلامي".
شكّلت دعوة أردوغان لإنشاء البنك، بريق أمل لدى شعوب العالم الإسلامي، خاصة أنه سيكون حال إنشاءه ملاذا وداعما لها في وقت الشدة، فضلا عن تحرير بلدان العالم الإسلامي من أسعار الصرف المتقلبة وفك اعتماد اقتصادياتها على الدولار واليورو، ومخلصا لها من الوصايات الخارجية عبر الديون، وفق العديد من الخبراء الاقتصاديين.
وحول أهمية فكرة إنشاء البنك في دعم اقتصاديات الدول الإسلامية، قال مستشار الاقتصاد الإسلامي، وأستاذ القانون في المجلس العام للبنوك الإسلامية، خالد عبد الله شبيب، في حديث مع صحيفة "نافذة اقتصادية"، إن "فكرة المشروع الذي طرحة أردوغان، في إنشاء تكتل مالي اقتصادي كبير، تعد فكرة طيبة وواعدة؛ لأننا نعيش في عالم التكتلات الاقتصادية"، مضيفا أن "البلدان الصغيرة المنفردة هي في الواقع مجرد فكة عملة ( فراطة ..خردة) تتحكم بها الدول الكبرى فيما بينها كما تشاء".
وأوضح شبيب أن "الطريق الوحيد لتلك البلدان لتحقيق المصالح الاستراتيجية والبعيدة هو التكتل الاقتصادي، لأنه يصب في مصلحة شعوبها"، مؤكدا أن "منظور أردوغان الاستراتيجي هو أن هذه الدول الثماني المدعوة للتكتل ( تركيا ومصر وباكستان وإندونيسيا وماليزيا ونيجيريا وإيران، وبنغلاديش) هي أكثر الدول الإسلامية تقدما وسكاناً وواعدية من حيث الإمكانيات".
وتابع إن "تحقيق ذلك يتطلب قادة أفذاذ ذوي رؤية وأصحاب رسالة وهدف يستطيعون أن يحمّسوا شعوبهم ويقوموا بتوعيتهم من أجل خلق مثل هذه التكتلات، من أمثال أردوغان ومهاتير محمد".
وحول إمكانية انضمام دول إسلامية أخرى إلى تكتل "الثماني الإسلامية"، في إطار توسيع التعاون بين تلك الدول بما يخدم اقتصادياتها، أشار شبيب إلى أن "يمكن للتكتل أن يكون مفتوحا أمام انضمام دول إسلامية أخرى إليه، وهذا سيكون بمثابة القاطرة لإعادة إحياء الأمة الإسلامية من المدخل الاقتصادي وهو الذي تركز عليه حكومة العدالة والتنمية".
واستدرك "إن توسيع دائرة التعاون الاقتصادي بين أكبر الدولة الإسلامية، قد يؤول إلى إنشاء منطقة تجارة حرة أو اتحاد جمركي تضغط من خلاله المصالح المشتركة المتنامية بين هذه الدول باتجاه المزيد من الترابط والتقارب في القضايا والصراعات الدولية وتشكيل موقف ضاغط لمصلحة هذه الدول على الصعيد الدولي".
وعن الآفاق التي يمكن أن يشكلها اتحاد الدول الإسلامية، أضاف شبيب أن "تكتلا ماليا كبيرا بإمكانه بناء قطب مالي إسلامي كبير، لن تتوقف آثاره على جانب المصرفية الإسلامية، بل ستتجاوزها إلى الجانب الاقتصادي والمشاريع الاقتصادية الاستراتيجية وصولا إلى الحياة الاجتماعية وتحقيق الرفاه للشعوب الإسلامية".
وتابع "ومن ثم وضع نموذج إسلامي متميز في المنظومات المالية العالمية، حيث إنه في حالة تكثيف التعاون المالي والاقتصادي بين هذه الدول، فإنها ستكون قد وضعت اللبنة الأولى في مشروع توحيد هذه الدول كما فعل الاتحاد الأوروبي في مراحل تأسيسه الأولى، فضلا عن توسيع حركة المرور بين تلك الدول مما يسهل مرور الأفكار والقيم".
وواصل "سيشكل البنك الإسلامي، مصدر تمويل في الدول الإسلامية، خاصة في مجال التمويل بالتورق وشراء المعادن الثمينة، لتصب تلك الأرباح في البنك الإسلامي بدلا من تمويل تلك الصفقات من البنوك والبورصات العالمية".
وحول التجرية التركية الرائدة في التنمية ومدى الاستفادة منها من قبل الدول الإسلامية، لفت شبيب أنه "بالنسبة للتجربة التركية فهي تجربة ناجحة، رغم التحديات التي تعترضها، وبإمكانها أن تصبح نموذجا اقتصاديا واجتماعيا ثم فكريا تتوخى المجتمعات الأخرى اقتفاءها والاستفادة منها".
وأكد أن "القدرة المالية الضخمة لتركيا التي ستتوفر لها من خلال الاكتشافات الأخيرة ( ذهب، غاز طبيعي، قناة إسطنبول الجديدة...) والاستقطاب الكبير للطلبة المتميزين من البلدان الإسلامية للجامعات التركية، وافتتاح المراكز الثقافية التركية في هذه الدول، الذي تبني تركيا من خلاله نخبة مستوعبة للمشروع التركي، سيضيف إلى تركيا إضافة قوية ومؤثرة في هذا التكتل الاقتصادي الواعد بعد وصول المشروع الليبرالي إلى مرحلة الإفلاس وارتباطه بالنظم الدكتاتورية".
من جانبه، اعتبر الخبير الاقتصادي، الدكتور فراس شعبو في تصريح لصحيفة "نافذة اقتصادية"، أن "الفكرة جيدة من حيث المبدأ، لكن تطبيقها صعب في الوقت الراهن"، مبينا أنه "من الممكن أن تكون وسيلة لتشكيل كيان شبيه بكيانات الاتحاد الأوروبي، ومجموعة العشرين، ودول أمريكا اللاتينية".
وأرفد "في حال تحقق هذا الموضوع، يجب أن تدرج السعودية، لأنها دولة قوية اقتصاديا ولها تأثير إقليمي، وبالتالي عدم وجودها سيضعف من تأثير هذا الكيان، كون أنها تمتلك ثقلا اقتصاديا، وتعد من أكبر الدول المصدرة للنفط، ولديها موارد مالية قوية من الممكن أن تساهم في إنعاش البنك في حال إنشاءه والتعامل عبره".
تجدر الإشارة إلى أن مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية هي منظمة دولية تضم ثماني دول إسلامية هي مصر، ونيجيريا وباكستان، وإيران، وإندونيسيا، وماليزيا، وتركيا، وبنغلاديش.
ويبلغ عدد سكان دول المنظمة 1.1 مليار نسمة، أي ما يوازي 14% من سكان العالم، وتهدف المنظمة إلى تدعيم العلاقات الاقتصادية والاجتماعية بين الدول المنظمة.
وفي الخامس من نيسان/أبريل الجاري، قالت وزيرة التجارة روهصار بكجان، إن تركيا جاهزة للتعاون مع مجموعة الدول الثماني الإسلامية النامية (D-8)، بغرض رفع حجم التبادل التجاري إلى 500 مليار دولار.
وذكرت بكجان خلال مشاركتها في منتدى أعمال دول (D-8)، المنظم بالعاصمة البنغالية دكا، أن "تركيا تدرك جيدًا المنفعة الاقتصادية المترتبة على تعاونها، مع بلدان أخرى تمتلك ذات القيم والأسس التاريخية والاجتماعية والثقافية".
وأشارت إلى أن "إجمالي الناتج المحلي السنوي لدول (D-8)، يقدر بحوالي 4 تريليونات دولار، ما يمثل 90% من صادرات دول منظمة التعاون الإسلامي (دون احتساب صادرات النفط والغاز الطبيعي)".
لا يوجد تعليقات