محاربة الربا ضرورة لتحقيق النمو الاقتصادي
- أيوب اضواو
- الأربعاء , 1 ديسمبر 2021 20:30 م بتوقيت جرينتش
محاربة الربا ضرورة لتحقيق النمو الاقتصادي
كتب/ أيوب اضواو
أجمع فقهاء الأمة الإسلامية على تحريم الربا وعلى خطورته على الفرد والمجتمع، بل جميع الديانات السماوية -قبل تحريفها- تحرم الربا أو ما يسمى اليوم بالفوائد البنكية فلا فارق بينهما، كيف لا والذي برأ البرية يعلن الحرب على آكله، ويبين رسول الله صلى الله عليه وسلم، شناعة الأمر كما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- قال :" لعَن رسول الله صلى الله عليه وسلم آكل الربا وموكله، وكاتبه وشاهديه"، وقال: "هم سواءٌ".
بالأمسِ القريب صدع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، في خطاب له بضرورة محاربة الربا، وشرع باتخاذ إجراءات عملية منها التدرج بتقليل الفائدة التي كانت في حدود 19% وصولا إلى 16% مؤكدا أنه سيحاول إزالتها عن شعبه ما استطاع إلى ذلك سبيلا.
وأشار إلى أن الربا سبب الأزمة الاقتصادية بتركيا و مآلها إلى ارتفاع التضخم، وقال: "الفائدة (الربا) هو السبب والنتيجة هي التضخم، والذي يريد أن يفسر التضخم بغير ذلك فلا يضيع وقته، مؤكدًا: "سنزيل بلاء الربا عن عاتق شعبنا، ولا يمكن لمن يدافعون عن الربا أن يكونوا معنا في نفس الطريق، لأن لدي قناعة تامة بأن التضخم ليس سوى نتيجة للربا، ومن لم يفهم كلامي حول هذا الأمر؛ سيأتي الوقت الذي يفهم ما أعنيه عاجلا أم آجلاً.
كما أضاف أن التضخم ليس نتيجة لارتفاع الخضروات أو هذا أو ذاك كما يظن البعض، ولكن السبب الحقيقي لتولد التضخم هو الربا... ما لا يفهمونه هو التالي : "هو أنهم يعملون لدى لوبيهات الربا ولا شيء آخر، وأردف قائلاً: هل تعتقدون أن لوبيهات الربا ستوافق على خفضه؟".
رسالة إلى منظمة التعاون الإسلامي
تبعت تصريحات الرئيس التركي مساندة عدد من العلماء لقراره، حيث قال مفتي عمان الشيخ أحمد بن حمد الخليلي -في تدوينته على تويتر- قال :"إنا نحيّي الحكومة تركيا المسلمة الشقيقة ممثلة في قيادتها المسددة في توجهها إلى تطهير اقتصادها من رجس الربا، الذي لعن الله آكله وموكله وكاتبه وشاهديه، ونطالب جميع الحكومات الإسلامية أن تتعاون على ذلك، {وتعاونوا على البر والتقوى}"، كما وجه رسالة إلى منظمة التعاون الإسلامي مفادها تبني مشروع إزالة الربا عن عاتق الشعوب الإسلامية بعزم وجد؛ ليكون اقتصاد الأمة إسلاميا خالصا.
قال تعالى :{يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من اللهِ ورسوله وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تَظلمون ولا تُظلمون} [البقرة : 278 - 279]
خفض سعر الفائدة
في 23 سبتمبر/ أيلول الماضي، خفض البنك المركزي التركي سعر الفائدة 100 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لأجل أسبوع ليصبح 18 في المئة، يليها خفض سعر الفائدة 200 نقطة أساس على عمليات إعادة الشراء "الريبو" لأجل أسبوع، ليصبح 16 في المئة، وهو ما يعكس خطة أردوغان تجاه السياسة النقدية.
وبحسب توقُّعات "بلومبرغ إيكونوميكس" لخفض بعض البنوك المركزية لأسعار الفائدة فهي بنهاية العام 2021 تصل 16.5%، و 14% مع نهاية العام 2022.
علاقة الربا بالتضخم :
قبل بيان العلاقة بين الربا والتضخم، لابد من وضع صورة لمفهوم التضخم، والذي يعد من أكبر الاصطلاحات الاقتصادية شيوعًا غير أنه لا يوجد اتفاق بين الاقتصاديين بشأن تعريفه ويرجع ذلك إلى انقسام الرأي حول تحديد مفهوم التضخم حيث يستخدم هذا الاصطلاح لوصف عدد من الحالات المختلفة.
وهنا نوجز بعض مفاهيم للمصطلح منها :
-التضخم هو نسبة التغير في أسعار المستهلكين خلال فترة زمنية معينة ويكون فيها أثر لتذبذب في الطلب أساسيا وتنمو الأجور بنسبة غير متساوية، حيث يكون نمو الأجور المرتفعة أسرع من الأجور المنخفضة.
- التضخم ظاهرة اقتصادية مؤذية، تعمل على تآكل القوة الشرائية للدخل المتاح وتؤدي إلى مشاكل اقتصادية واجتماعية جمة.
-التضخم هو زيادة كمية النقود بدرجة تنخفض معها قيمة النقود أو على أنه الارتفاع المستمر في المستوى العام للأسعار في دولة ما والناجم عن فائض الطلب عما هو معروض من السلع والخدمات خلال فترة زمنية معينة.
ولعل الآية الكريمة {يمحق الله الربا}، تجد لها تفسيرًا اقتصاديًا؛ إذ يؤدي الربا إلى ارتفاع تكاليف الإنتاج ومن ثم التضخم من خلال سلسلة من الإقراض قصير الأجل وخلق الودائع (مزيد من النقود في الإقراض)، وبذلك فإن الزيادة الطفيفة في المال التي استمدت من الفوائد الربوية يلتهمها - مع جزء من الأصول- التضخم، وتصبح الزيادة الربوية هي مجرد زيادة صورية تخفي نقصًا حقيقيًا محقًا.
أما عن العلاقة بين سعر الفائدة والتضخم في الواقع العملي، فمن المعروف إحصائيًا أن سعر كل من الفائدة والتضخم يرتفع وينخفض سويًا. وبعبارة أخرى يرتبط سعر الفائدة والتضخم بعلاقة طردية ارتفاعًا وانخفاضًا على حد سواء.
آثار الربا على الاقتصاد:
-ارتفاع الأسعار: عندما يضيف المنتجون والمستثمرون فوائد القروض التي حصلوا عليها إلى تكاليف الإنتاج، فتزداد التكاليف وترتفع أسعار السلع والخدمات؛
-الكساد : عندما ترتفع أسعار السلع يقل الطلب الكلي عليها وبالتالي يؤدي ذلك إلى كساد السلع، ومن جهة أخرى فإن ارتفاع تكاليف الإنتاج سوف يؤدي إلى خفض أجور العمال، مما يؤدي أيضًا إلى نقص الطلب الكلي وبالتالي الكساد.
-البطالة : قد لا يكتفي أصحاب الأعمال والمصانع بتخفيض أجور العمال من أجل خفض التكاليف وإنما يمكن أن يقوموا بالاستغناء عن العديد من العمال، ومن الممكن أن يترك العمال أنفسهم العمل عندما تنخفض أجورهم، مما يؤدي إلى زيادة البطالة في المجتمع. ومن جهة أخرى فإن وجود فئة متعطلة لا وظيفة لها سوى الانتظار من أجل الحصول على فوائد الأموال المودعة يعتبر من أبرز أشكال البطالة، كما أن نمو عقلية المرابين، وتفشي داء الاستزادة في المجتمع يلحق به أفدح الأضرار.
- زيادة حدة التفاوت بين الناس : يقول صديقي " فالثروة لن تجلب مزيدًا من الثروة لأصحابها إلا عندما يؤدي استخدامها فعلاً إلى خلق ثروة"، "وفي كثير من الحالات لا يؤدي القرض إلى خلق فائدة إضافية يمكن دفع الفائدة منها إلى المقرض...إن زيادة تركيز الثروة واستمرار تدفقها من الكثرة إلى القلة، سواء ضمن الأمة الواحدة أم بين الأمم.
-تخفيض الإنتاج والاستثمار: إن رفع سعر الفائدة يؤدي إلى تثبيط همم المستثمرين عن القيام بأية مشاريع جديدة، أما خفض سعر الفائدة فإنه يشجع على زيادة الاستثمار وبالتالي زيادة الإنتاج، ومن باب أولى أن إلغاء سعر الفائدة سوف يشجع بشكل أكبر على زيادة الاستثمار والإنتاج.
-تفاقم أزمة المديونية: إن كثرة الاقتراض بالفائدة يوصل الدولة إلى حالة تعجز فيها عن سداد ديونها، وبالتالي تصبح دولة مفلسة، لا يرغب أحد إقراضها أو التعامل معها، مما يؤدي إلى انهيار قيمة العملة، وعدم القدرة على تأمين الحاجات الأساسية، وما ينجم عنه من ضيق وتدهور في كافة المجالات.
الاقتصاد الرأسمالي
يتساءل الكثيرون: هل سينتصر الرئيس التركي على الاقتصاد الرأسمالي؟ وهنا وجب التنبيه على أنه من الواجب على العبد إقامة ما أمر الله عز وجل به من خلال امتثال أوامره واجتناب نواهيه، وأن العاقبة التي لا نشك فيها هي للمتقين، لكن متى هو؟ فعلم ذلك عند الله عز وجل، كما استبطأ النصر على الصحابة -رضوان الله عليهم- فأتاهم الجواب :{ألا إن نصر الله قريب}.
والجواب الذي يجب أن يطرح هو: ما العمل إزاء هذا الداء الفتاك؟ وكيف السبيل إلى إحياء محاربة الربا في قلوب المؤمنين أولاً ثم في واقعهم؟
مذهب الاقتصاد الإسلامي:
وهنا أذكر مقولة لأستاذ الاقتصاد الفرنسي، جاك أوستروي، في كتاب صدر له بعنوان "الإسلام في مواجهة التقدم الاقتصادي" : "إن طريق الإنماء الاقتصادي ليس مقصورًا على المذهبين المعروفين، الرأسمالي والاشتراكي، بل هناك مذهب اقتصادي ثالث راجح، وهو المذهب الاقتصادي الإسلامي، وإن هذا المذهب سيسود عالم المستقبل؛ لأنه أسلوب كامل للحياة".
ومن هذا المنطلق يجب على أولي الأمر من العلماء أولاً تذكير الأمة الإسلامية بحرمة الربا وأضراره على الفرد والمجتمع، وأنه من كبائر الذنوب، وكذا ضررها على الأسواق التجارية، وعلى النشاط الاقتصادي، ومدى خطورته على رواج السيولة في المجتمع كي لا تبقى عند طبقة معينة من أفراده، وتبعًا للعلماء حكام المسلمين فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، فكل راع مسؤول عن رعيته.
لا يوجد تعليقات