الصناعات الدفاعية التركية.. مكاسب اقتصادية ومنافسة نحو العالمية (تقرير)
كتب/ إبراهيم هايل
تتجاوز المكاسب التي حققتها الصناعات الدفاعية التركية النواحي السياسية والعسكرية إلى مكاسب اقتصادية مهمة، خاصة بعد أن حققت شهرة عالمية مكنتها من الدخول إلى سوق السلاح العالمي في ظل النجاحات التي أحرزتها في العديد من دول العالم.
إضافة إلى ذلك، شكلت الصناعات الدفاعية التركية أحد أهم المدخلات الاقتصادية لتركيا، وذلك بسبب تنوعها في العديد من المجالات، فضلا عن البعد السياسي والاستراتيجي الذي ساهم في تعزيز صورة تركيا العالمية.
مكاسب اقتصادية
استطاع قطاع الصناعات الدفاعية التركية تحقيق نجاحات رائدة، وذلك بسبب الدعم الحكومي المقدم إلى العديد من الشركات العاملة فيه، ما أسهم بشكل كبير في زيادة صادراته على حساب تقليل الواردات.
وفي السياق نفسه، أكد الباحث في الشأن التركي وأوراسيا مختار فاتح بي ديلي، أنه "خلال الأعوام العشرين الأخيرة نهضت تركيا في مجال الصناعات الدفاعية من طائرات من دون طيار إلى صناعة السفن والبوارج والدبابات مرورا بصناعة الأسلحة الخفيفة، حيث تتعدى مكاسبها من نهضتها في الصناعات الدفاعية النواحي السياسية والعسكرية إلى مكاسب اقتصادية كبيرة مهمة خاصة في ظل الضغوطات الأمريكية والغربية سياسيا واقتصاديا على تركيا"، لافتا أن "تلك الضغوطات كانت تؤدي إلى ارتدادات على الساحة الاقتصادية التركية من تضخم وديون تراكمية وانخفاض في قيمة العملة الوطنية التركية".
وأضاف بي ديلي في تصريح لصحيفة "نافذة اقتصادية"، أنه "إذا اطلعنا على مدى تقدم الصناعات الدفاعية التركية خلال عام 2020 مقارنة مع نظيراتها الدولية نجد أنها حطمت أرقاما قياسية في حجم مبيعاتها وصادراتها الأمر الذي أدى إلى مساهمة هذا القطاع في التنمية الاقتصادية التركية، وحل مشاكل عجزها في تجارتها الخارجية، ما انعكس إيجابا على الاقتصاد الوطني وعلى كافة الأصعدة الأخرى".
وحول ماهية الصناعات الدفاعية التركية، أضاف الباحث في الشأن التركي أن "الصناعات الدفاعية التركية لا تتكون من تجارة الأسلحة فقط؛ بل مترابطة مع بعضها البعض في شتى المجالات مثل التعليم، ومجالات التوظيف الجديدة، والبنية التحتية الاستثمارية القطاعية الواسعة، والتطورات العلمية والتكنولوجية، والقوى العاملة المدربة، وتوسيع نطاق المنتجات ذات الاستخدام المزدوج، وتغذية القطاعات الوطنية الأخرى".
ولفت أن "الشركات التركية في الصناعات الدفاعية تأتي ضمن قائمة أفضل 100 شركة للصناعات الدفاعية الأكثر شهرة عالميا(..)، لذلك انخفضت واردات الأسلحة التركية من الخارج بين عامي 2015 و2019 بنسبة 48%، وزادت مبيعاتها بنسبة 24.2% لتصل إلى 11.5 مليارات دولار تقريبا، مقارنة بـ8.8 مليارات دولار عام 2018 حسب الاحصاءات الرسمية التركية".
بعد استراتيجي ورؤية مستقبلية
يضيف بي ديلي أن "تركيا حددت أهدافها الاستراتيجية حتى عام 2053، لجعل الصناعات الدفاعية التركية مستقلة بنسبة 100%، لتصل قدرتها التصديرية إلى 50 مليار دولار".
وبفضل النجاحات التي حققتها المسيرات التركية التي تعد رأس حربة الصناعات الدفاعية التركية، في العديد من المناطق خاصة في أذربيجان وليبيا والعراق وغيرها، فقد فتح ذلك الباب واسعا أمام تطورها بشكل أكثر تسارعا، تماشيا مع احتياجات تركيا الدفاعية فضلا عن تفردها بهذه الصناعات في المنطقة مما جعلها محط أنظار العديد من الدول.
وفي هذا الإطار، يرى أستاذ العلاقات الدولية في جامعة بغداد، جاسم الحريري، أن "استخدام أسلحة الصناعات الدفاعية التركية سيكون له انعكاسات سلبية على الجانب العراقي بالرغم من حق تركيا في الدفاع عن أمنها القومي والإقليمي".
إلا أن الحريري أكد في حديث مع صحيفة "نافذة اقتصادية" أن "تطوير العلاقات التركية العراقية في الجانب العسكري وتزويد العراق بكل ما تنتجه الصناعات الدفاعية التركية سوف يرسل رسائل مهمة أولها أن تركيا تدعم العراق عسكريا للقضاء على التنظيمات الإرهابية والتكفيرية، ثانيا دعم استقرار العراق الذي هو مهم للعمق التركي لأن استقرار العراق يعني زيادة الصادرات والواردات مع العراق، وثالثا إرسال رسالة حسن نوايا للعراق للعمل سوية على مواجهة التحديات الأمنية التي تهدد البلدين".
من جانبه، أكد الخبير السياسي في الشأنين السوري والإيراني، مصطفى نعيمي، أن "النجاحات التي حققتها المسيرات التركية لن يقتصر على استخدامها في العمليات العسكرية بل وصل لاستهداف منظومة الدفاع الجوي بانيستر الروسية حيث حملت في طياتها رسالة مزدوجة ذو بعدين، الأول إثبات فعالية المسيرة والثاني إثبات أن مستوى وفعالية السلاح الروسي يتراجع".
ولفت نعيمي في تصريح لصحيفة "نافذة اقتصادية"، أن "تركيا تهدف إلى رفع أداء ومستوى وفعالية المسيرة التركية بيرقدار من خلال مشاركتها في الحروب سواء كانت في الشرق الأوسط أو غيرها"، عازيا أسباب نجاح الاقتصاد التركي إلى أن "الغالبية العظمى من الدول تعزز وضعها الاقتصادي في ظل جائحة (كورونا)، وهو ما استثمرت فيه تركيا إيجابيا من خلال بناء علاقات اقتصادية مع العديد من الدول التي أرسلت لها منح ومساعدات طبية وعسكرية من إنتاج مؤسسة الصناعات الدفاعية التركية خلال فترة الوباء".
اكتفاء ذاتي وزيادة في الصادرات
في 15 آذار/مارس الماضي، كشف تقرير نشره معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام حول القوى الصاعدة في تجارة السلاح عالميا، أن “صادرات تركيا من الأسلحة المصنعة محلياً نمت بنسبة 30%، خلال السنوات الخمسة الماضية المنتهية في 2020، مقارنة مع الفترة المقابلة المنتهية في 2015”.
وأشار تقرير المعهد إلى أن “واردات تركيا من الأسلحة انخفضت بنسبة 59% في السنوات الخمسة الماضية (2016-2020) مقارنة مع الفترة بين عامي 2011 و2015”.
ولفت إلى “الجهود الكبيرة التي تبذلها الحكومة التركية في زيادة الإنتاج المحلي للأسلحة الرئيسية لتقليل وارداتها، لتحتل بذلك المرتبة الـ13 في قائمة الدولة المُصدرة للسلاح”.
فيما أوضحت دراسة نشرها مركز "ستراتفور" (STRATFOR) للدراسات، أن الإحصائيات الرسمية التركية تشير إلى أن الصناعات الدفاعية التركية المحلية باتت فعليا تلبي 70% من متطلباتها العسكرية، مقارنة بحوالي 20% فقط عندما صعد حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2003، مما جعلها أكثر قدرة على مواجهة حظر الأسلحة، ومكنها من الظهور بقوة والاستعداد للبقاء، بعد أن خاضت تجربة مؤلمة في عمليات الحظر، التي كان آخرها الحظر الأوروبي والأميركي جراء عملية نبع السلام في الداخل السوري.
وارتفع عدد الشركات التركية في قائمة "أفضل 100 شركة للصناعات الدفاعية" الأكثر شهرة عالميا، إلى المرتبة السابعة، وتشير الإحصاءات إلى انخفاض واردات الأسلحة التركية خلال الفترة ما بين عامي 2015 و2019 بنسبة 48% مقارنة بخمس سنوات سابقة، بالرغم من حربها ضد تنظيمي "داعش" وPKK، وعملياتها في كل من سوريا وليبيا.
وحددت تركيا أهدافا استراتيجية بحلول عام 2053، مثل جعل الصناعات الدفاعية التركية مستقلة بنسبة 100%، وشغل 10 شركات تركية قائمة أكبر 100 شركة دفاعية في العالم، وزيادة قدرتها التصديرية إلى 50 مليار دولار.
لا يوجد تعليقات