ما جدوى "مقاطعة" السعودية للمنتجات التركية؟

كتب/ فاضل الحايك

يكاد لا يمر يوم إلا ونسمع فيه عن إنجاز تحقق في تركيا، حيث تسعى الدولة بخُطى ثابتة نحو تحقيق خططها وأهدافها التنموية في جميع القطاعات، حتى خلال أزمة كورونا التي كانت لها آثارها السلبية على جميع دول العالم -بما فيها الدول المتقدمة- تفوقت تركيا في مواجهة الأزمة بفضل قوة المنظومة الصحية لديها، وقدمت المساعدات الطبية لدولٍ عدة على مستوى العالم، ولعل نجاح 3 لقاحات محلية من أصل 13 لقاح في اختبارات مخبرية يُعد ضمن سلسلة نجاحات بعيدة عن الاستعراض الزائف، وهو ما يغني عن الانتظار لاستيراد اللقاح من الدول المنتجة له في الخارج.

أما على الصعيد الاقتصادي، ففي مشاركات أدلى بها وزير الصناعة التركي،مصطفى ورانك، على حسابه الشخصي على "تويتر"، بيّن أن مؤشر الإنتاج الصناعي في البلاد لشهر أغسطس ارتفع بنسبة 10.4% على أساس سنوي، موضحًا أن ذلك يعد أعلى أداء منذ يناير 2018، موضحًا أن بلاده من أسرع الدول تعافيًا في قطاع الصناعة وأن الإنتاج والاستثمار والصادرات آخذة في الازدياد، وهو ما سينعكس على التوظيف والنمو في الربع الثالث من هذا العام، وفي المجمل هي إنجازات تعكس حقيقة صلابة البنية الاقتصادية التركية، والتي تقوم على معادلة: موارد طبيعية وفيرة وحسن إدارة لهذه الموارد وجهد حكومي وشعبي يسعى للإنجاز.

ومع هذا يبدو أن هناك دول لم تستوعب هذه المعادلة وتظن أنها من خلال إجراءات بسيطة تستطيع التأثير سلبًا على الاقتصاد التركي كنوع من الضغط الدبلوماسي الذي اعتادت ممارسته لتحقيق أهدافها بعيدًا عن الحوار المفتوح الذي يحقق الفائدة لجميع الأطراف.

إجراءات تنوعت بدايةً بعمليات "المضاربة" بالعملة الوطنية التركية كمحاولة لخفض قيمتها مرورًا بمحاولات منع أو عرقلة مواطنيها من السفر إلى تركيا وليس آخرها دعوات قطع العلاقات التجارية مع تركيا، وهذا ما تحاول ممارسته السعودية من خلال إجراءاتها بين الحين والآخر, فنقلاً عن صحيفة "رأي اليوم" اللندنية في افتتاحيتها إن السعودية أعلنت حرباً اقتصادية ضد تركيا  بالتزامن مع مرور الذكرى الثانية لاغتيال الصحافي جمال خاشقجي.

 تمثلت في دعوة رئيس الغرف التجاريّة السعودية،عجلان العجلان، إلى المقاطعة الشاملة للبضائع والمنتجات التركية، وعلى كل المستويات، بدءًا من الاستيراد ومرورًا بالاستثمار وانتهاء بالسياحة، وتضيف الصحيفة: "الحرب التجارية السعودية ضد تركيا وبضائعها لم تأخذ الطابع الرسمي لتجنب أي عقبات يمكن فرضها من قبل منظمة التجارة العالمية، ولهذا يُعتقد أنه جرى الإيحاء للسيد العجلان الذي يترأس الغرف التجارية لمطالبة التجار أعضاء هذه الغرف بعدم استيراد البضائع التركية".

وكتحليل أولي للتأثير المحتمل لهذه الإجراءات على المدى القصير فإنه لا يمكن الإنكار أنها قد تؤثر بالفعل على خسارة تركيا لبعض الفوائد الاقتصادية أو المكاسب المالية المحتملة، ولكن بالمقابل وعلى المدى المتوسط والبعيد لا يمكن إنكار أن إجراءات كهذه لا تؤثر على دولة تتمتع باقتصاد قوي ومنتجة بحجم تركيا، خاصة إذا علمنا أن قيمة الصادرات التركية إلى السعودية تبلغ 3.3 مليار دولار سنويًا من أصل 180.5 مليار دولار وهي قيمة الصادرات التركية إلى مجمل دول العالم في 2019 ، أي أن الصادرات التركية إلى السعودية والمحتمل توقفها تبلغ فقط 1.82% من إجمالي الصادرات التركية السنوية، وهنا المتأثر الأكبر من هذه الإجراءات هو التاجر والمواطن السعودي والمقيم الذين سيضطرون لاستهلاك بضائع من منشأ آخر قد لا تكون بنفس الجودة أو نفس السعر.

ولعل أهم مما يميز السياسة الخارجية لتركيا ارتباطها بمصالح تجارية كبيرة متبادلة مع عدد من الدول المتقدمة بالإضافة لحجم التبادل التجاري مع جميع دول العالم, تُضعف من دور وتأثير هذه الإجراءات التي تتخذها السعودية،والتي بدأ التسويق لها على أنها عقوبات، وكل ذلك لن يكن إلا دافعًا لمزيد من النجاحات التركية، ولنا في محاولات أمريكا عرقلة بيع السلاح لتركيا مثال، حيث دفعها ذلك للتفوق في مجال "الصناعات الدفاعات"، ولم يكن فقط للاكتفاء الذاتي بل تطور للتصدير.

وليست ببعيدة محاولات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بأن يفرض عقوبات أوروبية على تركيا, على خلفية نزاع السيادة البحرية في شرق المتوسط وموقف تركيا في ليبيا، وهو ماينبع من حقد دفين تجاه أي قيادة ناجحة ذات "توجه إسلامي"، وحين فشل في إقناع الإتحاد الأوروبي بفرض العقوبات قاده ذلك إلى التفكير بلغة الحوار بدلاً من لغة التهديد والوعيد.

وما موقف الاتحاد الأوروبي إلا نتيجة لإدراك تام عن حجم الخسائر التي قد يتحملها الجانب الأوروبي قبل التركي، وفي النهاية يمكن القول أن إغلاق سوق ما أمام تركيا يفتح بالمقابل أسواق جديدة تطلب منتجاتها ذات الجودة العالية والأسعار التنافسية، في إنجاز جديد يضاف إلى قائمة إنجازاتها التي يعبّر عنها بالأرقام والحقائق الملموسة على أرض الواقع وليس مجرد استعراضات إعلامية واهية وفق منهج الاستخفاف والاستعلاء الذي تنتهجه أغلب حكومات الدول العربية. 

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات