تركيا.. التضخم العالمي يزيد من ارتفاع الأسعار المحلية وسط محاولات حكومية لكبحه (تقرير)

في ظل ما يشهده العالم من معدلات تضخم مرتفعة تعيش تركيا معدلات تضخم كبرى بشكل غير مسبوق والتي وصلت مع نهاية فبراير/شباط 2022 نحو 54.44 بالمائة، إلى أن الحكومة تعمل على كبح جماح الأسعار التي ترتفع يوميا بشكل متسارع.

ويدفع تلك الزيادة الغير مسبوقة عدة عوامل يعد أبرزها الاجتياح الروسي لأوكرانيا ما يضر بشكل مباشر بأسعار السلع الغذائية الرئيسية مثل الزيت والقمح بالإضافة إلى أسعار النفط التي تسير بنحو جنوني إلى الأعلى ليتجاوز سعر البرميل الواحد 130 دولار، الأمر الذي انعكس على أسعار الشحن وبالتالي السلع الغذائية عموما.

يضاف إلى تلك العوامل العالمية عوامل محلية تتمثل في جشع بعض التجار الأتراك وأصحاب الأسواق الكبرى الذين يتلاعبون بأسعار السلع ويحاولون تعطيش السوق عبر تخزين أكبر قدر ممكن من السلع ما يرفع أسعار السلع المنتجة محليا وليس المستوردة فقط.
كذلك تركيا دولة تستورد 100 بالمائة من احتياجاتها من الطاقة، وهو الأمر الذي يزيد من تفاقم أزمة التضخم التي تشهدها البلاد خاصة بعد ارتفاع أسعار النفط بنحو 38.2 بالمائة.

كما أن ترقب الأسواق لقرار الفيدرالي الأمريكي برفع الفائدة يسهم أيضا في خروج الأموال من الأسواق الناشئة مثل تركيا وهو ما يضع مزيد من الضغط على الليرة التركية وبالتالي تشهد العملة المحلية تراجع أمام العملات الرئيسية، وبالتالي يؤجج معدلات التضخم.
ولا ننسى الأزمة الكبرى التي مازال العالم يشهدها منذ أكثر من عام وهو أزمة سلاسل الإمدادات التي تضغط على التضخم العالمي الذي يشهده العالم، وهوما يسهم في ارتفاع أسعار السلع المختلفة وبخاصة السلع الوسيطة المستوردة التي تسهم بشكل كبير في الصناعات المحلية بتركيا.

مساعٍ حكومية

وبالنظر إلى كل تلك المعطيات يدرك المتابع الاقتصادي مدى الدوافع التي ترغم التضخم إلى الخروج عن السيطرة، إلا أن الحكومة التركية تعمل على كبح جماح التضخم عبر العديد من الآليات التي تملكها.

حيث سعت الحكومة التركية إلى تقييد نحو 20 منتج أساسي من صادراتها بشكل نسبي بهدف منع تصديرها دون تحقيق اكتفاء ذاتي منها محليا لمنع إعادة استيرادها مرة أخرى بأسعار كبيرة مما يسهم في إحداث مزيد من التضخم وهو ما كان يحدث خلال الفترات الماضية.
كذلك أصدر الرئيس أردوغان، في 12 فبراير/شباط الماضي، قرار بخفض ضريبة القيمة المضافة على السلع الغذائية الأساسية من 8 بالمائة إلى 1 بالمائة بهدف تخفيف آثار التضخم الحادة على المواطنين.

إلا أن جشع السلاسل الكبرى دفعهم إلى رفع أسعار منتجاتهم سريعا بشكل مضاعف حتى تلتهم أسعارهم الجديدة قرار خصم الضريبة، الأمر الذي واجهته الحكومة من خلال أخذ أقل سعر لكل منتج خلال 30 يوم قبل قرار أردوغان ومن ثم تطبيق الخصم الضريبي عليه، ولكن مازالت حيل التجار مستمرة.

وتتجلى حيل سلاسل المتاجر الكبرى في الظاهرة الأخيرة التي حدثت خلال الأيام الماضية حيث أثارت تلك الأسواق شائعة بأن الغزو الروسي لأوكرانيا سيوقف كييف التي تنتج نسب مرتفعة من الزيت على المستوى العالمي عن إنتاج تلك المادة الدهنية وبالتالي سترتفع أسعار الزيوت بسبب نفاذ الزيوت على المستوى المحلي.

ما دفع المواطنين للهرولة نحو تلك المتاجر للحصول على العبوات الكبيرة من الزيت، الأمر الذي أدى إلى استنزاف جميع العبوات بها، وارتفاع أسعار الزيت بشكل مبالغ فيه، ليؤكد وزير الزراعة والغابات وحيد كريشتشي، ووزير المالية نور الدين نباتي، على أن تركيا تملك مخزون كاف من الزيت ولا داعي لهذا القلق.

ولإضفاء مزيد من الطمأنينة للمواطنين قامت الحكومة التركية بإلغاء الضرائب الجمركية على استيراد زيوت الكانولا والذرة والنخيل والصويا، وذلك لتعويض أي نقص محتمل في واردات زيت دوار الشمس في ظل الحرب الروسية/الأوكرانية.

كما أعلن أردوغان في مطلع الشهر الجاري، أنه تم تخفيض الضريبة على الكهرباء المُستخدمة في المساكن والري الزراعي من 18 بالمائة إلى 8 بالمائة، بالإضافة إلى رفع تعرفة الكهرباء فوقه للأسر التي تستخدم المزيد من الطاقة قد تم رفعه إلى 240 كيلو واط في الساعة.
ويأتي رفع التعريفة للمرة الثانية خلال العام الجاري في محاولة لتخفيف تكاليف الكهرباء على المواطنين، حيث كانت الحكومة التركية قد رفعت الحد الأقصى للتعرفة التدريجية لفواتير الكهرباء للأسر إلى 210 كيلو واط ساعي بعد أن كانت 150 كيلو واط اعتباراً من مطلع شهر شباط/فبراير الماضي.

ويعد الأمر الأبرز الذي قامت به تركيا لتخفيف حدة التضخم العالمي على مواطنيها، هو تراجعها عن السير في سياستها النقدية التي عزمت على انتهاجها بخفض أسعار الفائدة، وذلك بشكل مؤقت حتى لا تتراجع العملة المحلية بشكل كبير ما قد يزيد من أزمة التضخم محليا.

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات