تركيا تحافظ على اقتصادها بعيدًا عن صندوق النقد الدولي رغم الصعوبات

على الرغم من الاضطرابات التي شهدها الاقتصاد العالمي في أزمة وباء كورونا والأزمة الحالية بسبب الغزو الروسي لأوكرانيا وبخاصة الدول النامية والناشئة التي هرولت إلى صندوق النقد الدولي للاقتراض منه، إلا أن تركيا تمكنت من الحفاظ على نفسها بعيدا عن الصندوق منذ سدادها لآخر قرض لها من المؤسسة الدولية في عام 2013.

 وأكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ومسؤولي حكومته في أكثر من مناسبة على مدار الـ 9 سنوات الماضية أنه لا نية أبدا لتكرار المعاناة التي شهدها الاقتصاد التركي خلال 52 عاما جراء ديونه لدى الصندوق.

فبعد انضمام تركيا لصندوق النقد الدولي في 1947، وهو العام الذي تم في إطلاق الصندوق بهدف تضميد الجراح الاقتصادية التي خلفتها الحرب العالمية الثانية، وقّعت أنقرة معه 19 اتفاقية استعداد ائتماني، جاء أولّها عام 1961، في عهد الحكومة التركية الرابعة والعشرين، التي شكّلها رئيس الوزراء الراحل جمال غورسل، وتبعتها اتفاقيات أخرى حتى عام 1970.

ولم تتقدّم تركيا بأي طلب للحصول على القروض من صندوق النقد الدولي خلال الفترة 1970 – 1980، لكنها وقّعت مع الصندوق في عام 1980، أول اتفاقية استعداد إئتماني طويلة الأمد.

ونجحت تركيا عام 2013، في إنهاء مغامرات الاستدانة من الصندوق الدولي، في عهد الحكومة التركية الواحدة والستين التي شكّلها رئيس الوزراء آنذاك (رئيس الجمهورية الحالي) رجب طيب أردوغان.

وأرجع الخبراء الاقتصاديين عوامل تصفير تركيا لديونها مع الصندوق إلى، الاستقرار الاقتصادي والسياسي وما تبعه من قفزة في الناتج المحلي الإجمالي للضعفين في الفترة 2002-2008 مما يقارب 250 مليار دولار إلى 770 مليار دولار سنويا.

بالإضافة إلى التحرر من قيود صندوق النقد الدولي على أبواب الإنفاق الحكومي وكذلك الاقتراض في العام 2008، مما أتاح الفرصة للإنفاق والاقتراض غير المشروط، وهذا الأمر أدى إلى تركيز الحكومة التركية على مشاريع البنية التحتية التي هيأت الفرصة لتسارع النمو الاقتصادي.

وأخيرا انخفاض قيمة الدين العام من 45 في المائة إلى 35 في المائة من الناتج المحلي، وذلك نتيجة القفزة الاقتصادية وآثارها الإيجابية على إيرادات الحكومة ورصيد البنك المركزي التركي.

أعقبت تلك المرحلة أزمات جديدة تمثلت في الصراعات السياسية لتركيا مع الدول الفاعلة مثل الإمارات والسعودية وأمريكا وبعض الدول الأخرى التي لعبت دورا كبير في محاولات عدة لإفساد الاقتصاد المحلي وبخاصة العملة التركية التي شهدت توترات ذات أبعاد سياسية بالدرجة الأولي.

لتخرج تركيا من تلك الأزمة  بأقل الخسائر الممكنة، لتأتي محاولة الانقلاب الفاشلة على الرئيس التركي في عام 2016، والتي أثارت بعض المخاوف لدى المستثمرين الأجانب والمحليين ليضطر حينها البعض منهم بسحب أمواله بعيدا عن أنقرة خوفا على أموالهم ما زاد الضغط على الاقتصاد التركي.

عملت بعد ذلك تركيا على مواجهة الألاعيب الخارجية وتضميد جراح الاقتصاد التركي عبر إقامة شراكات اقتصادية مع الدول الصديقة وفي مقدمتها قطر بهدف إرساء حالة من الاستقرار في السوق التركي وبخاصة لدى العملة المحلية، إلا أن العملة حينها ظلت تسير في مسار صعودي وهبوطي دون توقف لنجد في أحد الأيام في عام 2018 صعود إلى عند مستوى 7 ليرات للدولار الواحد قبل أن تعود مرة أخرى في نفس اليوم عند 4.5 ليرة للدولار الواحد.

إلا أنه على الرغم من تلك الألاعيب استطاع الاقتصاد التركي عبر هيكله الإنتاجي القوي أن يستفيد من تراجع عملته عبر تحفيز صادراته، لتتجه السياسة النقدية فيما بعد نحو البدء في خفض الفوائد البنكية بهدف تحفيز الاستثمار المحلي وتنشيط الاقتصاد مع نهاية 2019.

لتأتي جائحة كورونا وترغم تركيا على التراجع عن سياساتها النقدية بل والعمل على إبقاء أسعار الفائدة عند مستويات عالية للحفاظ على الاستقرار الاقتصادي الداخلي خاصة في ظل الشلل الاقتصادي العالمي الذي فرضه الوباء حينها.

ومع عودة النشاط الاقتصادي في عام 2021 مرة أخرى وبدأ تداعيات كورونا من أزمة سلاسل التوريد، وتضخم عالمي، وركود القطاع السياحي الذي يعد مصدرا مهما للنقد الأجنبي التركي، ذهب البعض للحديث عن أن تركيا لن تستطيع الاستمرار دون الاقتراض من صندوق النقد الدولي.

ليرد أردوغان في 24 ديسمبر/كانون الأول 2021، بأن احتياطي النقد الأجنبي للبنك المركزي التركي يتجاوز 115 مليار دولار في الوقت الراهن، وأنه "في الوقت الحالي لا يوجد علينا دين لصندوق النقد الدولي كما لا توجد أي محادثات معه".

وجاءت المؤشرات الاقتصادية للاقتصاد التركي لعام 2021 إيجابية حيث حقق نموا بنسبة 11 في المائة، مقارنة بالعام السابق، فضلا عن زيادة الصادرات بنسبة 32.8 في المائة خلال 2021 مقارنة بالعام السابق، ليبلغ حجمها 225 مليارا و291 مليون دولار.

إلا أن تلك النجاحات صاحبها ضغوطات على الاقتصاد التركي من زيادة معدلات التضخم والتي تجاوزت مع نهاية فبراير/شباط 2022 61.14 في المائة، فضلا عن تجاوز سعر صرف الليرة لمستوى الـ 14.5 ليرة مقابل الدولار الواحد.

يضاف إلى تلك الأزمات أزمة الحرب الروسية الأوكرانية التي أضافت أزمات جديدة على الاقتصاد العالمي وبخاصة الاقتصاد التركي كون البلدان المتصارعتان تملكان علاقات اقتصادية كبيرة مع أنقرة، بالإضافة إلى الركود الاقتصادي الذي فرضته تلك الحرب وسط موجات تضخمية عالية تنبأ بركود تضخمي يكبح النمو العالمي بشكل مباشر.

على الرغم من ذلك مازالت تركيا تسعى للحفاظ على اقتصادها بعيدا عن صندوق النقد الدولي وسياساته الظالمة للطبقات الوسطى والفقيرة، فضلا عن وعي الحكومة التركية بأن الاقتراض من الصندوق هو بداية خضوعها للسياسات الخارجية وتحولها من دولة ذات قرار سيادي إلى دولة تابعة.

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات