التطبيع التركي مع مصر وانعكاساته على المنطقة

كتب/ محمد قدو الأفندي

منذ سنوات  وبعد فترة من الفتور في العلاقات المصرية التركية بحث وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية التركي سادات أونال في القاهرة التي يزورها أول مسؤول تركي منذ يونيو عام 2013 ، محادثات استكشافية لغرض إعادة وتطبيع العلاقات الثنائية بين البلدين.

ومن المعلوم ورغم الخلافات السياسية بين البلدين التي جاءت نتيجة الإطاحة بالرئيس الشرعي المنتخب، محمد مرسي، فإنه كانت هناك حاجة ماسة لتطوير العلاقات الثنائية بين البلدين، حيث وضع الطرفين أوراقهما القديمة في الرفوف العالية واتجهوا صوب تطبيع علاقاتهما الثنائية خدمة لمصلحة البلدين بصورة خاصة ولصالح عموم المنطقة بشكل استثنائي وذلك للظروف التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط والشمال الأفريقي .

ولا يخفى على القاصي والداني بأن مصر وتركيا يتمتعان بدرجة عالية من الأهمية سواء في المحيط الإقليمي أو في المحيط الدولي سياسيا واقتصاديا حيث الكثافة السكانية والأيدي العاملة الفنية والقدرات الذاتية وتاريخ مشترك يمتد لعدة قرون وتربطهما مع بعضهما البعض الكثير من الوشائج  والتي تضفي علاقات متميزة مع بعضهما البعض .

هذا من ناحية ومن ناحية أخرى فإن القدرات الجيوسياسية للبلدين كل على حدى عكست الاهتمام الدولي والإقليمي بتلك الميزات وأصبحت ذات تأثير مباشر على مجريات المنطقة بصورة خاصة، كما أن التوظيف الأمثل لتلك القدرات والمميزات زادت كثيرا من أهمية موقعهما الجيوسياسي .

مصر وتركيا دولتان تقعان في قلب العالم النابض حيث ممرات طرق المواصلات الدولية والتي تحمل روح ومادة النشاط الإنساني والتجاري من خلال ممراتهما الدولية والموانئ المهمة التجارية الضخمة إضافة إلى تحكمهما في طرق المواصلات الدولية البحرية والتي تتميزان بها حصريا مع القليل من دول العالم دون غيرهما من البلدان .

لمصر بالإضافة لمرور قناة السويس من أراضيها وبالنسبة للنقل البحري فإنها تحتوي على 15 ميناء بحري تجاري رئيسي، ومن أهم الموانئ البحرية ميناء الإسكندرية البحري وميناء دمياط وميناء السويس وميناء غرب بورسعيد، وهذا يعني أنها أيضًا تعتبر ناديا بحريا تعمل على توزيع  منتجات النشاط الإنساني والاقتصادي بين الشمال والجنوب والشرق والغرب.

تركيا كما لمصر من أهمية جيوسياسية فإن موقعها يماثل موقع مصر أيضا وهي أيضا طريق لعبور كافة أنواع المنتجات والبضائع والوقود بين الشمال والجنوب شرقا وغربا فهي تتحكم بمضائق مهمة تمر عبر أراضيها منها البوسفور والدردنيل اللذان يوصلان البحر المتوسط بالبحر الأسود في الشمال، كما أنها تمتلك عددا من الموانئ المهمة الكبيرة والواسعة والضخمة ومنها ميناء إمبارلي وإسطنبول وميناء مرسين في جنوب تركيا على البحر المتوسط وميناء طرابزون على البحر الأسود وغيرها من الموانئ.

هذه الأهمية الجيوسياسية المتميزة  للدولتين منحتهما فرصة تحكيمية فعالة إيجابية استثنائية إن صح القول في تعميق علاقاتهما مع الدول الاقليمية ، أي بمعنى أن تطوعهما في معالجة الخلافات التي تظهر بصورة فجائية وبمختلف الصيغ نابع من مصلحتهما أولا ومن ثم للمصلحة العامة لبلدان المنطقة.

وهذا يعني أن فتح المجال للتواصل بين الدولتين يعني زيادة الاستقرار لبلدان المنطقة وزيادة طرح الحلول الناجعة للتغلب على المشاكل التي تعترض هذه الدولة أو تلك أو تصيب المنطقة بصورة عامة .

ولنا في المسألة الليبية خير دليل حيث ترتبط علاقات مصر مع ليبيا بالكثير من الروابط منها الجيرة والتاريخ المشترك واللغة والدين والعلاقات الأسرية المتداخلة، وبنفس الوقت فإن العلاقات التركية مع ليبيا تمتد لعدة قرون حيث الدين الواحد والتاريخ المشترك والمواقف الأخوية للدولتين مع بعضهما البعض بالإضافة الى أن علاقاتهما لم تشوبها يوما ما أي توتر بل كانت توصف دائما بالعلاقات الجدية والحميمة.

مما يعني أن مصر وتركيا يشتركان معا بعلاقات وروابط تحتم عليهما تتبع مشاكل ليبيا وتعملان على منع تطورها بل تساعدان على القضاء عليها لاستمرار حركة الحياة والاستقرار في ليبيا ويقينا أن تكاتف الدولتان مصر وتركيا سيكون عاملًا مساعدًا لدعم الاستقرار في ليبيا، وهذا ينطبق تماما على باقي الدول التي تحتاج الى موقف أخوي من تركيا ومن مصر أيضًا.

وفي الختام نرى أن العلاقات المصرية التركية هي من الضرورة بحيث أن الفترة الأخيرة، والتي تسمى بسنوات الجفاء قد أثرت بشكل مباشر على مجمل مجريات الأمور للدول الإقليمية بصور غير إيجابية وأن عقد التطبيع الذي يسعيان له سيكون له أثارًا إيجابية للدولتين بصورة خاصة ولدول المنطقة بصورة عامة.

 

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات