صناعة قانون صكوك إسلامية تركي

صناعة قانون صكوك إسلامية تركي
 
تعتبر الصناعة المالية الإسلامية إحدى روافع الاقتصاد في العالم، سواء العالم العربي والإسلامي وكذلك عموم دول العالم، وقد نهجت العديد من الدول تقديم المنتجات المالية والمصرفية الإسلامية.

وتعتبر الصكوك إحدى أدوات التمويل لأصولها الثابتة، أو لتمويل رأس المال العامل فيها، وحتى توسعت في استخدامها كمصدر لتوفير السيولة النقدية، سواء لتسديد الذمم المالية للجهات المصدرة، أو للبدء بنشاط جديد أو توسعة نشاط قائم.

وتعد الصكوك الإسلامية أوراقًا مالية مستحدثة في واقع العمل المالي، وهي تمثل حصصًا شائعة في ملكية أصل أو منفعة أو حق لمصلحة حامل الصك، وتكون ملكيته مؤقتة، يستحق خلالها أو بانقضائها الربح - إن تحقق - وتستحق الصكوك بالاسترداد عند انقضاء المشروع والانتهاء منه، أو بالاسترداد المبكر وحسب نشرة الإصدار.

ولما كانت المدنية الحديثة محكومة بقوالب قانونية تنظم أعمالها، ولما كانت الأنشطة المالية إحدى القطاعات المرتبطة بقطاع التقنين، كان لزامًا على المشرع قبل الولوج في النشاط المالي أن يبادر إلى تنظيمه وتقنينه.

والصكوك الإسلامية من حيث التشريع القانوني تعتبر حالة قانونية مستحدثة جرى تنظيمها في القانون الأردني للعام 2012 وكذا القانون المصري لعام ،2013 والقانون التونسي لعام ،2013 إضافة إلى ما استحدثه سوق دبي من خلال معيار سوق دبي لإصدار وتملك وتداول الصكوك للعام 2014، إضافة إلى المعيار الشرعي للصكوك الصادر عن هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية في مايو/أيار 2003.

ويهدف هذا المقال إلى حض الدولة التركية على تنظيم قانون صكوك إسلامية تركي مع مراعاة الضوابط الواجب توافرها في القانون الواجب صناعته حماية لمصالح حملة الصكوك، ومصدريها، وتشجيعًا لهذه الصناعة الناشئة، فوجود تشريع محكم ينظم إصدار الصكوك وتملكها وتداولها بات ضرورة وحاجة ملحة للنظام الاقتصادي التركي باعتباره أحد رواد  الصناعة المالية الإسلامية ومن جملتها صناعة الصكوك الإسلامية، وإن كانت هذه الريادة تحتاج إلى ضبطها بتشريعات قانونية باعتبارها الحامي والضامن لكل الأطراف .

ولا بد قبل الانطلاق أو التوسع في إصدار الصكوك من توفير غطاء  حقيقي أساسه القانون، وتهيئة البيئة القضائية للفصل في أي نزاعات قد تثور بين أطراف الصكوك، فإن التجربة التركية غنية بما يكفي لصناعة قانون مميز، يتلافى العثرات التي قد يقع فيها، باعتبار هذه التجربة استجمعت صور التجربة العملية، وبما يمكنها من خلال هذه التجربة من صياغة قانون رائد في مجال الصناعة، وبما يؤهل تركيا لقيادة السوق باعتبارها دولة ينطبق عليها وصف "صانع السوق" .

ما يجدر الإشارة إليه هو جملة من الضوابط في صناعة القانون وهي:-
أولاً: ضوابط التعريف والتمايز بين الصكوك والسندات، ويشمل ذلك ضابط التكوين لوحدات الصكوك، وضابط السقف الزمني الأعلى لمدة الصكوك، وضابط العقد الذي تصدر الصكوك على أساسه، وضابط إصدار الصكوك باسم حملتها، وضابط طريقة الحصول على رأس مال الصكوك، وضابط عملة الإصدار، وضابط إصدار صكوك باستخدام الأصول العامة المملوكة للدولة، وضابط التمييز عن سندات الدين.

ثانياً: ضوابط تحديد الجهات المصدرة للصكوك .
ويغطي ذلك شمول الدولة باعتبارها الشخص الأساس في إصدار الصكوك، إضافة إلى الهيئات المحلية كالبلديات، والجامعات، والمؤسسات المستقلة التي تنهض بالاقتصاد المحلي من خلال طرح مشروعات تنموية وجمع ما تحتاجه من تمويل من خلال الصكوك . وكذلك المصارف الإسلامية والشركات المقدمة لخدمات التمويل الإسلامي وسائر شركات المساهمة العامة وكذلك المؤسسات المالية والإقليمية لتمويل مشاريع داخل الدولة .

ثالثاً: ضوابط الصيغ المقبولة لإصدار الصكوك .
ويشمل ذلك ضابط بيان الصكوك المقبولة ضمن القانون وكيفية تبويبها، وضابط النص على جواز تركيب الصكوك باستخدام أكثر من عقد شرعي، وكذلك ضابط تنظيم جميع الصكوك وتضمينها في نصوص القانون .

رابعاً: ضوابط الرقابة على إصدار الصكوك .
ويغطي هذا المحور، ضابط المشروع الذي تصدر الصكوك لتمويله، وضابط الحد الأدنى للإصدار، إضافة إلى ضابط القيد في السوق المالي، وضابط تكوين هيئة ممثلة لحملة الصكوك، وكذلك ضابط تكوين احتياطيات لحماية حملة الصكوك، وضابط الحماية الجنائية لحملة الصكوك، إضافة إلى ضابط وجود معايير محاسبية لتنظيم الصكوك وضبطها محاسبيًا، وضابط تسلم كامل قيمة الصكوك .

خامسًا: ضوابط الرقابة الشرعية على الصكوك .
ويشمل ذلك ضابط وجود هيئة شرعية مركزية، وضابط شروط أعضاء الهيئة الشرعية المركزية، وضابط اختصاصات الهيئة الشرعية المركزية، إضافة إلى ضابط تكوين هيئة شرعية لكل إصدار .

سادسًا: ضوابط الشركة ذات الغرض الخاص المالكة لموجودات الصكوك المصدرة .
ويغطي ضابط وجود الشركة، وشكلها القانوني للشركة، إضافة إلى ضابط تمتعها بالشخصية الاعتبارية .

سابعًا: ضوابط التعامل مع الأرباح الناتجة عن إصدار الصكوك . ويشمل ذلك ضابط الإفصاح عن طريقة احتساب الأرباح، وضابط كون الربح ثابتًا أو متوقعًا، وضابط توقيت دفع الأرباح، وضابط التنضيض الحكمي والحقيقي، وضابط منع الاقتراض لتعويض النقص الفعلي للأرباح .

ثامنًا: ضوابط تصفية الصكوك وإطفائها .
ويشمل ذلك ضابط استرداد الصكوك في نهاية مدتها، وضابط استرداد الصكوك قبل نهاية مدتها، وضابط جواز أو وجوب استرداد الصكوك، وضابط الاسترداد والتصفية في ظل تعثر الصكوك المصدرة، وضابط الاسترداد والتصفية في ظل هلاك موجودات الصكوك .

بقي أن نقول إن الضرورة تقتضي الإسراع في إعداد قانون يليق بريادة التجربة التركية المتميزة في النمو لكل قطاعات الاقتصاد الحقيقي ليتكامل مع القطاع المالي وأبرز أدواته الصكوك الإسلامية، بحيث يصار إلى تقنين الصيغ الشرعية المقبولة لإصدار الصكوك على أساسها مع ضبطها بما يمنع من استخدامها كوسائل لتوليد النقود وزيادة التضخم، أو كباب إلى الاقتراض، وبما يمنع استخدامها وسيلة لغسل الأموال، وبما لا يؤثر في الأصول الحكومية من حيث انتقالها ليد أجنبية .
القانون يحتاج إلى قيثارة ثلاثية قانونية شرعية مصرفية تشترك معًا في إعداد قانون الصكوك الإسلامية المنتظر، فجميعنا نحتاج إليه .

------

د. محمد فخري صويلح

دكتوراه في القانون التجاري
محام وخبير في المصرفية الإسلامية والأوقاف ومحكم معتمد

مدير تمويل واستثمار، سابق، في البنك الإسلامي الأردني

Ahsant.tc@gmail.com

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات