تركيا و"الناتو".. مواقف وإسهامات

محمد قدو الأفندي

أثرت العملية العسكرية التركية "نبع السلام" في شمال سوريا على العلاقات مع حلف الناتو، وعلت الدعوات المنادية لإقصاء تركيا من الحلف ، شكلت تلك العملية العسكرية نجاحًا كبيرًا بحيث تم للوهلة الأولى منع قيام دولة كردية على حدودها الجنوبية بواسطة فصائل تعتبرها تركيا إرهابية ومعادية لها.
تشكل حلف الناتو من خلال معاهدة واشنطن عام 1949م، لتوفير الأمن الجماعي ضد الاتحاد السوفيتي الشيوعية وضمّ عدداً من دول أمريكا الشمالية وأوروبا الغربية كان هدف حلف الناتو بشكل أساسي هو حماية حرية دول الحلف وأمنهم بالوسائل السياسية والعسكرية، ومن الطبيعي أن نذكر بأن زعامة الناتو كانت ولازالت تحت إمرة واشنطن ، والتي مارست دور عرّاب حلف الناتو بلا منازع.

على الرغم من أنّ حلف الناتو تشكّل استجابة لضرورات الحرب الباردة النامية، إلا أن الناتو استمر إلى ما بعد نهاية هذا الصراع، مع توسيع العضوية لتشمل بعض الدول السوفيتية السابقة، ليبقى حلف الناتو أكبر تحالف عسكري في زمن السلم في العالم

ووقع برتوكول انضمام تركيا للناتو في 17 أكتوبر/تشرين أول 1951، لكنها حصلت على العضوية الرسمية في 18 فبراير/شباط عام 1952م.وكانت تركيا الدولة الـ13 في ترتيب الدول المؤسسة للحلف الذي يعد بمثابة نظام للدفاع الجماعي تتفق فيه الدول الأعضاء على الدفاع المتبادل ردًا على أي هجوم من قبل أطراف خارجية.

يعتبر الجيش التركي من أقوى الجيوش في حلف الناتو بعد الولايات المتحدة وهو بمثابة حارس الحدود الشرقية لدول حلف الناتو وبالطبع إن الحدود الشرقية هي أولى وأقوى الجبهات التي تهدد مصالح دول الحلف.

تتكون المؤسسة العسكرية التركية من أربع جيوش ثلاثة من هذه الجيوش ترفع درجة الاستعداد استنادا إلى ما تقرره رئاسة الأركان لقيادة الناتو، والجيش الرابع والذي يتخذ من سواحل بحر أيجه مقرات لها فهي تشكلت بعد ازدياد الخلافات بينها وبين اليونان على الجزر المُتنازع عليها في بحر أيجه بين الدولتين.

لتركيا مساهمات دائمة في كل أنشطة الحلف سياسيا وعسكريا منذ انضمامها الفعلي عام 1952، ولم تتوانى منذ انضمامها عن أي مساهمة كلفت بها.قدَّمت تركيا مساعداتٍ لأمريكا وللحلف في الكثير من المواقف، إذ خدم أكثر من 50 ألف جنديٍ تركي في كوريا بين عامي 1950 و1954، وحلت تركيا في المرتبة الثالثة بين الدول التي خسرت ضحايا خلال تلك الحرب من بين الدول الأعضاء في الأمم المتحدة التي أرسلت جنودها للقتال آنذاك، حيث وصل عدد ضحايا تركيا لنحو 1005 جندي.

وامتنانا لدور الجيش التركي ففي عام 2017 أطلقت كوريا الجنوبية اسم "السنة التركية الكورية"، عرفانا منها بدور الجيش التركي في حماية كوريا الجنوبية من هجمات كوريا الشمالية وحليفتها الصين وبعض من قوات الاتحاد السوفيتي السابق، وكانت لدور الجيش التركي أثر كبير في المعارك والتي ساهمت في تعزيز موقف قوات الأمم المتحدة في الهدنة التي وُقِّعت في يوليو/تموز من عام 1953.

ولسنا بصدد سرد مساهمات تركيا بصورة خاصة بل لإيضاح علاقات أنقرة مع الحلف إن كانت علاقات ايجابية أو سلبية وأقصد بذلك موقف دول الحلف وعلى رأسها الولايات المتحدة من القضايا التي تهم تركيا والشعب التركي.

أولى المقاطعات التي قامت بها واشنطن حدث في قبرص في عام 1964، حين منع الرئيس الأمريكي الأسبق جونسون تركيا من استخدام الأسلحة التي حصلت عليها من الولايات المتحدة في حماية القبارصة الأتراك.

وبعد إنزال القوات التركية إلى قبرص في عام 1974 نصرة للقبارصة الأتراك بعد الانقلاب على الرئيس القبرصي ماركوس، بمؤازرة قادة يونانيين وقبرصيين موالين لليونان فرضت الولايات المتحدة حظرًا على توريد الأسلحة إلى تركيا.

في عام 2003 رفضت تركيا استضافة القوات الأمريكية لغزو العراق بعد تصويت مجلس النواب على القرار، وفي عام 2006 عرضت تركيا على مصانع الأسلحة الأمريكية للحصول على عقد كبير لصناعة مروحية هجومية ولم تقدم أي شركة أمريكية عرضًا لأن تركيا أصرَّت على الوصول إلى رمز برنامج الطائرة.

ورغم أن تركيا إحدى الدول التي تقدم أكبر مساهمة لبعثة الحلف في أفغانستان، إضافة إلى توفير الظروف اللازمة للسلام، فضلا عن المساهمة في كوسوفو والعراق ومكافحة الإرهاب.

رغم كل ذلك فرضت واشنطن عقوبات على أنقرة في نهاية عهد ترامب بموجب بعض بنود قانون (كاتسا)، بعد أن أتمت تركيا صفقة النظام الدفاعي الروسي إس-400، لكن تلك العقوبات لم تحقق الهدف الأمريكي منها، بل ربما تكون قد أضرت بالمصالح الأمريكية أكثر من الضرر الذي قد يكون لحق بتركيا.

وقانون مكافحة أعداء أمريكا (كاتسا) الذي أقره الكونغرس الأمريكي، في يونيو/حزيران 2017، أثناء إدارة الرئيس السابق دونالد ترامب، بهدف منع تركيا وغيرها من حلفاء الولايات المتحدة من شراء أسلحة متطورة من روسيا.

والمسألة الأكثر حساسية بالنسبة لتركيا مع الولايات المتحدة والناتو هي دعمهم لذراع حزب العمال الكردستاني، وحدات حماية الشعب الكردي في شمال سوريا.
وتَعتبِر أنقرة وحدات حماية الشعب الكردية جزءًا من حزب العمال الكردستاني المصنف إرهابيًا، وهي جماعة مسلحة تشن تمردًا منذ عقود ضد تركيا، وتصنفها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي منظمةً إرهابية.

وفي تصريح سابق لوزير الدفاع التركي أكار: يمكننا إيجاد حل لمشكلة إس-400 من خلال محادثاتنا مع الولايات المتحدة، لكن لا يمكننا تحسين علاقاتنا مع الولايات المتحدة إذا لم نتمكن من إيجاد حل لـ"وحدات حماية الشعب مما يؤكد حساسية تركيا وامتعاضها من دعم واشنطن لمنظمة إرهابية تسعى لإلحاق الضرر بتركيا منذ نشأتها.

ورغم أن العديد من تصريحات المسؤولين الأوربيين وقادة الحلف تُثمن وتشير الى دور تركيا الفعال في الحلف ففي وقت سابق من هذا العام صرح الأمين العام لحلف شمال الأطلسي "ناتو"، ينس ستولتنبرغ، إن الحلف يولي أهمية كبيرة لتركيا، وأنها قدمت مساهمات كبيرة لأمن الحلف المشترك، مشيرًا إلى أن تركيا قدمت مساهمات كبيرة للحلفاء خلال جائحة كورونا عبر تقديمها الدعم الكبير.

كما أشادت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، إن تركيا ليست شريكا في حلف شمال الأطلسي "ناتو" وحسب، بل هي دولة ذات أهمية استراتيجية.
ومن الطبيعي القول أن لسياسات الإدارات الأمريكية السابقة تجاه قضايا وملفات المنطقة ومصالح تركيا ، آثارًا سلبية عدة، أدت إلى تراجع صورة الحلف والولايات المتحدة الأمريكية لدى تركيا.

وفي الختام لا بدّ من الإشارة إلى أن بايدن يحاول إصلاح ما أفسده الرئيسان الأمريكيان السابقان باراك أوباما ودونالد ترامب، أوباما كان من أكثر المساهمين في إضعاف الحلف والعلاقة التركية مع المنظمة، وترمب الذي حاول استعادة مكانة أمريكا ودورها الريادي العالمي ودورها الريادي في الحلف ولكن على حساب الشعوب واستغلالها وتهديدها بعقوبات اقتصادية غير مشروعة، لذا فقد خسر الكثير من أصدقاء أمريكا ولم يبالي بالدول الصديقة والحليفة ومنها تركيا.

بايدن وإدارته وزعماء الناتو يدركون أن قوة تركيا وتأثيرها الإقليمي والدولي في تزايد مضطرد وأن وجهة تركيا يتمثل بالاستقلالية الوطنية التامة وأنها تخطو خطوات واسعة لتحقيق هذه الاستقلالية بالاعتماد على قدراتها الذاتية في توفير مستلزماتها العسكرية الدفاعية والهجومية.

وهذه بلا شك واحدة من أقوى أوراق أردوغان في مفاوضاته مع بايدن والناتو، رغم وجود غيرها من وسائل دعم القوة في اللقاء وهي من الأهمية التي تحتم على بايدن أن ينتبه لها بعد أن أُهمِلت سابقا من قبل ترامب وسلفه أوباما اللذان لم يهمهما مصلحة الحلف وخسارة حليفًا استراتيجيًا مهما مثل تركيا.
 

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات