الاقتصاد التركي.. وإعادة التموضع مركزيا

الاقتصاد التركي.. وإعادة التموضع مركزيا

كتب/ محمد فخري صويلح.
لا يختلف اثنان على أن الاقتصاد الحقيقي في تركيا يواجه تحديات جسيمة، وهو ذاته الاقتصاد التي يملك فرصًا واعدة تستحق التوقف عندها والعمل على تطويرها وهو كذلك يملك خبرات قادرة على تحديد مواضع الخلل وحصرها وتقديم ما يناسبها من توصيات وبدائل تنتقل بنا نحو مساحة من التفاؤل.

لكن الكثيرين أصابهم الإحباط بالنظر إلى الاقتصاد المالي التركي ولعل التردد بسبب ما جرى ويجري في يوميات الاقتصاد التركي وخصوصًا فيما يتعلق بإدارة السياسة النقدية وما يرتبط بها من أسعار الفائدة وإدارة تسعير الليرة التركية في مقابل العملات الأجنبية الأخرى وخصوصًا الدولار الأمريكي واليورو.

 لكنني في الوقت ذاته أعلم أن الكثيرين ما زالوا مؤمنين بالمكانة الاستراتيجية للدولة التركية بكل ما فيها من بواعث الأمل والتجديد، والقدرة على خلق التوازن المطلوب بين الاقتصادين الحقيقي والمالي و هو ما سيحقق الاستقرار المنشود لتركيا.

ولعل واحدة من المحطات واجبة التأمل والتوقف عندها - إذا بدأت مسيرة التصحيح - هي محطة القطاع المالي في تركيا، باعتبار هذه المحطة هي الحاضن الحقيقي للاقتصاد المالي في أي دولة.

فالقطاع المالي التركي باعتباره في موضع المركز من عملية التموضع الاقتصادي المأمول يحتاج إلى معالجات جذرية تعيد هيكلته بطريقة منهجية، وفي هذه المحطة يمكننا تقديم توصيات ترتقي بالقطاع المالي وتسهم في تمتينه:

أولاً: من المعلوم أن كثرة المؤسسات المالية تعيق عملها ولذلك فإن التشجيع على الاندماجات خيارًا يعزز القطاع المالي ويضبط إيقاعه ويخفض تكلفته المالية وغير المالية، ولعل الاكتفاء بعشرين بنكًا أو ما يزيد قليلاً سيحقق الكفاية الخدمية والتنافسية في السوق التركية.

ثانياً: قد يكون رفع رأس المال لمؤسسات القطاع المالي أحد البدائل نحو خلق كيانات مالية قوية، فيكون رأس مال البنوك 350 مليون دولار أمريكي، ورفع رأس مال المؤسسات المالية الأخرى كشركات التمويل لتصبح 35 مليون دولار أمريكي.

ثالثًا: إعادة إنتاج المحافظ المالية والاستثمارية لمؤسسات القطاع المالي وبما يراعي المحافظة على سيولة متوازنة وربحية مقبولة ومخاطر قابلة للسيطرة عليها.

رابعًا: إعادة هيكلة الضمانات المقدمة مقابل التسهيلات الممنوحة، وبما يكفل جودة الضمانات وقوتها، والقدرة على التعامل معها وبما يحفظ التوازن بين حقوق الدائنين والمدينين.

خامسًا: إعادة دراسة التشريعات ذات الصلة بإنشاء وتشغيل المؤسسات المالية وبما يكفل لها القوة والاستقرار، ووحدة المسار التشغيلي، ويخفف عنها أية ضغوطات مرهقة لها.

سادسًا: تقديم إعفاءات ضريبية مشروطة للمؤسسات المالية المندمجة أو التي ترفع رأس مالها خلال ٢٤ شهرًا التالية من تاريخ تفعيل التشريعات المشجعة على الاندماج و/ أو رفع رأس المال لتلافي أي تكاليف تتحملها هذه المؤسسات المالية.

سابعًا: ربط الإعفاءات كذلك مع تمويل القطاعات الاستراتيجية في الدولة وعلى رأسها تمويل القطاعات الزراعية والصحية والتعليمية والصناعية والسياحية والنقل والطاقة وفق حصص منضبطة ومحددة ونسب ربحية معقولة تضمن تجديد الانطلاق بهذه القطاعات.

ثامنًا: تشجيع رأس المال العربي والإسلامي والدولي للدخول في شراكات متينة ومستقرة مع المؤسسات المالية التركية، إضافة إلى السماح للمؤسسات المالية التركية بالتفرع الخارجي بعد رفع رأس مالها للحد الأدنى المطلوب منها.

تاسعًا: تعزيز مستويات الرقمنة والتقانة في القطاع المالي، وإدخال تطبيقات الذكاء الاصطناعي في العمليات المالية، والتحول نحو البنوك الرقمية خلال السنوات الخمس القادمة.

عاشرًا: تطوير البنية المعرفية لرأس المال البشري في مخرجات التعليم والتدريب المالي وبما يمكن هذا القطاع من التعامل مع المستقبليات المالية بأفضل صورة.

حادي عشر: خفض سعر الفائدة وبما يكفل خلق حالة توازن بين ضبط الإيداع وتشجيع الاستثمار في القطاعات الحيوية والاستراتيجية ومن خلال أدوات التمويل والاستثمار مع الاستفادة من أفضل التجارب الدولية. 

ثاني عشر: التفكير الجاد بإنشاء مدن مال ذات أحكام خاصة، وبحيث يتم ترخيص البنوك والمؤسسات المالية والصناديق والمحافظ الاستثمارية فيها وفق معادلات وأسس تشغيلية خاصة تضبط عمل هذه المدن المالية بأحكام خاصة بما في ذلك الضريبة ومقدار رؤوس الأموال وشروط وأحكام التشغيل والضمانات المقررة لها. 

ثالث عشر: إعادة تنظيم البنك المركزي وفق إحداثيات جديدة تتفق مع إدارة السياسة النقدية وتشغيل القطاع المصرفي وفق معطيات العالم الرقمي والمئوية القادمة.

رابع عشر: إصدار قانون الصكوك الإسلامية وتفعيله لإدارة المدخرات المحلية واستقطاب رؤوس أموال خارجية لتمويل مشاريع استراتيجية للدولة التركية.

خامس عشر: إصدار عملة رقمية تركية (ترك كوين) بضمان من البنك المركزي، والتحول نحو نظام مدفوعات رقمية متكامل قبل نهاية العشرية الحالية.

سادس عشر: إنشاء هيئة شرعية مركزية للبنوك التشاركية التركية بحيث تراعي أخذ الفتوى الأصلح لحاجات المتعاملين من المذاهب الإسلامية كافة مع مراعاة أفضل التطبيقات في البنوك والتجارب المماثلة عالميًا.

ما سبق يحتاج قرارًا سياسيًا، ورؤية وطنية واضحة في تحديد مسارات المستقبل للمؤسسات المالية التركية ودعمًا من الشركاء الدوليين، والتي بدورها ستشكل رافعة حقيقية للاقتصاد التركي في قطاعاته المتعددة والتي تحتاج تحديثًا في التشريعات وإيجادا لرؤية تنهض بها.

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات