التجارة الدولية.. التصنيع من أجل الاستيراد أم التصدير؟
- عبدالله السكران
- الجمعة , 15 أكتوبر 2021 20:45 م بتوقيت جرينتش
التجارة الدولية.. التصنيع من أجل الاستيراد أم التصدير؟
قامت العديد من الدول النامية خلال العقود الأخيرة بتحديد هيكلها الإنتاجي من أجل التنمية، على أحد منهجين الأول هو الإنتاج من أجل التصدير، والثاني هو إحلال الواردات من خلال مراحل متتالية.
وقد بينت العديد من دراسات التنمية الاقتصادية أن الدول النامية على وجه الخصوص التي مالت إلى تطبيق منهج التصدير حققت نجاح نسبي كبير مقابل تعثر معظم تجارب منهج إحلال الواردات.
ويرجع ذلك إلى أن منهج الإنتاج من أجل التصدير يقوم على نظرية النمو من خلال التصدير، حيث يدفع المنتجين المحليين إلى تنويع الإنتاج، ورفع الجودة والعمل دائما لمقابلة مختلف أنواع الطلب في السوق، وهو ما يمكنها من المنافسة في السوق الدولية ويؤدي إلى نمو وتوسع مختلف الصناعات وتكاملها.
وهو ما ينعكس بدوره على الاقتصاد الكلي من خلال تعاظم أرصدة ميزان المدفوعات، وارتفاع نسبة التوظيف، وانتعاش الاقتصاد ككل مصحوبا بتقارب متوسطات الدخول، وحظيت نظرية النمو من خلال التصدير على شبه إجماع سواء من صناع القرار الاقتصادي أو من المفكرين الاقتصاديين.
كما حازت على قبول واسع وانتشار مذهل، كان من أهم أسبابه معدلات النمو القياسية التي تحققت في اليابان بعد أن قامت بالتحول من سياسة إحلال الواردات والاعتماد على منهج الإنتاج من أجل التصدير وكذلك دول جنوب شرق آسيا.
أما الاعتماد على منهج إحلال الواردات، فقد كانت بدايته على مستوى الدول المتقدمة حاليًا وذلك في مراحلها التنموية المبكرة، فعندما بدأت الولايات المتحدة الحديثة الاستقلال عام 1791م العمل على تنمية قطاع الصناعة طالب الكسندر هام لتون في تقريره عن حال الصناعة في الولايات بفرض ضرائب لحماية الصناعة الأمريكية على الواردات البريطانية ذات الأسعار المنخفضة مقارنة بأسعار المنتجات الأمريكية.
وكان للرئيس الأمريكي جفرسون دور في دعم هذه السياسة وهو ما عزز الصناعات الأمريكية بسبب فرض سياسة المقاطعة عام 1807م، كما طالب الاقتصاديين الألمان بحماية الصناعة الألمانية في منتصف القرن التاسع عشر،وتبعتها الدول الأوربية الأخرى واليابان لتنجح تلك الدول في تطوير صناعتها.
إلا أن الاعتماد على منهج إحلال الواردات غالبًا ما يتوقف عند المرحلة الأولى التي يوفر فيها السلع الاستهلاكية غير المعمرة، والأهم أنه لا يوفرها على أسس اقتصادية سليمة ولا بالجودة المطلوبة لاعتماده على الحماية التي توفرها الدولة لهذه المنتجات مما يخلق تشوهات هيكلية في البنيان الاقتصادي.
هذا فضلا عن أن عدم قدرته على الانتقال إلى مراحل إنتاج معظم السلع الاستهلاكية المعمرة والسلع الوسطية والرأسمالية، يؤدي إلى العجز المتزايد في الميزان التجاري ومن ثم ميزان المدفوعات ككل، وبالتالي تزايد أعبائهما على الناتج المحلي، وهو ما يؤدي إلى انخفاض مستويات المعيشة والتوظيف وارتفاع معدلات التضخم وعدم القدرة على متابعة التنمية.
ويعزى تعثر تطبيق منهج إحلال الواردات في عدة أسباب من أهمها انخفاض جودة المنتجات المحلية وارتفاع تكلفتها، بسبب استمرار اعتمادها على الحماية بل الدعم المقدم من الدولة، وتضاؤل القدرة على توفير الواردات اللازمة للإنتاج المحلي بسبب إهمال نشاط التصدير الذي يوفر الاعتماد اللازم لتمويل هذه الواردات، وتركيز معظم تجارب هذا المنهج على تنمية النشاط الصناعي على حساب الأنشطة الأولية.
مما أدي إلى إهمال هذه الأنشطة وخاصة الزراعة، وهو ما عكس تراجع قدرة هذه الدول على توفير احتياجات سوقها المحلي من المنتجات الزراعية خاصة الغذائية، بالإضافة إلى ذلك افتقار معظم دول منهج إحلال الواردات لعنصر رأس المال والتقنيات الحديثة، وهو ما أدى إلى تشكل معظم هيكلها الصناعي في صورة كيانات صغيرة قائمة على تقنيات تقليدية غير قادرة على التطور، مما أفقدها وفرة الحجم الكبير من ناحية، ومميزات الاعتماد على التطورات التقنية من الناحية الأخرى.
لا يوجد تعليقات