السياسة النقدية ... ودورها في استقرار الاقتصاد

كتب/ فاضل الحايك

- ما هي السياسة النقدية؟ وما أنواعها وأدواتها؟ 

- ما دورها في تقليص معدل البطالة والتضخم؟

- وماذا عن دورها في تخفيف الآثار الاقتصادية للوباء العالمي؟

- من المسؤول عن السياسة النقدية وما حقيقة استقلاليته؟

هذا ما سنحاول الإجابة عنه في هذه الومضة الاقتصادية؛

تحدثنا سابقاً عن مواضيع متعددة منها مفهوم الاقتصاد الكلي وثنائية العرض والطلب، وسنتحدث اليوم عن "السياسة النقدية" والتي تعتمد في جوهرها وأدائها على هذه المواضيع؛ وتعد من أهم أدوات تحقيق الأهداف الاقتصادية.

ما هي السياسة النقدية monetary policy؟

تشير السياسة النقدية إلى الإجراءات التي يتخذها البنك المركزي (أو أي سلطة نقدية مختصة) من أجل التحكم في كمية الأموال (العرض والطلب الكلي على النقود)، لتحقيق أهداف الاقتصاد الكلي. 

ما هي أنواع السياسات النقدية؟

بشكل عام ، تصنف السياسات النقدية إلى توسعية وانكماشية. 

- سياسات توسعية:

إذا واجه بلد ما معدل بطالة مرتفع أثناء فترات الركود، فيمكن للسلطة النقدية أن تختار سياسة توسعية تهدف إلى تقليل الادخار وتعزيز الاستثمار والإنفاق الاستهلاكي وتشجيع النشاط الاقتصادي، حيث تعتمد السياسة التوسعية على تخفيض سعر الفائدة التي تمنحها البنوك على القروض، وبالتالي زيادة كمية (عرض) النقود.

 وبهذه الحالة يمكن للشركات والأفراد الحصول على قروض بشروط ميسرة لتوسيع الأنشطة الاقتصادية وبالتالي طلب مزيد من العمالة، أي انخفاض البطالة.

ومثال على النهج التوسعي: أسعار الفائدة المنخفضة إلى الصفرية التي تحافظ عليها العديد من الاقتصاديات الرائدة في جميع أنحاء العالم خلال الأزمات. 

- سياسات انكماشية:

بعكس الحالة السابقة؛ إذا واجه بلد ما فترات من التضخم (زيادة كمية النقود مقابل المنتجات) وارتفاع في الأسعار؛ فإن السلطة النقدية تختار السياسة الانكماشية، والتي تزيد من أسعار الفائدة الممنوحة على القروض وتقلص من عرض النقود وبالتالي ينخفض معدل التضخم. وعلى الرغم من أن هذه السياسية قد تؤدي إلى إبطاء النمو الاقتصادي وزيادة البطالة، ولكنها غالباً ما تكون ضرورية للسيطرة على الاقتصاد. 

ومن أمثلة ذلك: في الثمانينيات عندما وصل التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية إلى مستويات قياسية وكان يبلغ حوالي 15٪؛ رفع البنك الفيدرالي من سعر الفائدة إلى 20٪. وعلى الرغم من أن ذلك أدى إلى ركود، إلا أنه تم إعادة التضخم إلى الحد المطلوب من 3٪ إلى 4٪ خلال سنوات قليلة. 

ما هي أدوات السياسة النقدية؟

يتم استخدام عدد من الأدوات لتشكيل السياسة النقدية وتنفيذها منها:

1- عمليات السوق المفتوحة، أي بيع وشراء الأوراق المالية الحكومية مثل السندات (وثيقة تمنحها الدولة مقابل مبلغ مالي تقترضه من الأفراد أو المؤسسات لفترة ما ومقابل فائدة معينة). ويقوم البنك المركزي بالمتاجرة بهذه السندات في سبيل التأثير على العرض النقدي من خلال قيمة السندات نفسها أو من خلال معدلات الفائدة عليها. 

2- تغيير أسعار الفائدة أو تغيير الضمانات المطلوبة التي يطلبها البنك للحصول على القروض، ويعد فرض معدلات أعلى والمطالبة بمزيد من الضمانات مثال على السياسة النقدية الانكماشية، وبعكس ذلك، فإن الإقراض بمعدلات منخفضة وبشروط ضمان أقل يعبر عن سياسة توسعية. 

3- تغيير الاحتياطي القانوني، وهو مقدار الأموال التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها كنسبة من ودائع عملاؤها قبل أن تتمكن البنوك من إعادة إقراض هذه الأموال، ويضمن الاحتياطي قدرة البنوك على الوفاء بالتزاماتها. ويؤدي خفض الاحتياطي القانوني إلى تحرير المزيد من الأموال وبالتالي زيادة العرض النقدي وبالعكس.

4- التصريحات الرسمية، بالإضافة إلى التأثير المباشر على العرض النقدي، تمتلك البنوك المركزية أداة قوية قادرة على تشكيل توقعات السوق، وهي التصريحات الرسمية حول السياسات المستقبلية للبنك المركزي.

من هو المسؤول عن تنفيذ السياسة النقدية؟ 

بشكل عام، تقع مسؤولية استقرار الأسعار على عاتق السلطة النقدية والتي غالبًا ما تكون البنوك المركزية. وبالإضافة إلى إبقاء أسعار الفائدة متوازنة نسبيًا يتمثل الدور الأساسي للبنك المركزي في أن يكون الملاذ الأخير للإقراض، حيث يزود بقية البنوك بالسيولة ويقوم بالرقابة عليها من أجل منع إفلاسها.

ما هي حقيقة استقلالية البنك المركزي؟ 

في الواقع ، يكون للحكومات في جميع أنحاء العالم مستويات مختلفة من التدخل في عمل السلطة النقدية، ففي بعض الدول يقتصر تدخل الحكومة فقط على تعيين حاكم البنك المركزي والأعضاء الرئيسيين في السلطة (استقلالية نسبية)، في حين أن بعض الدول تتدخل حكوماتها بشكل مباشر في قرارات البنك المركزي واستغلال ذلك سياسيًا(استقلالية وهمية).

أمثلة على السياسة النقدية (دورها في علاج الأزمة)

مع بداية الأزمة الصحية والوباء العالمي واجهت العديد من البلدان مشكلات اقتصادية متعددة، مثل توقف الإنتاج وارتفاع نسب البطالة وتراجع معدلات النمو وغيرها من المؤشرات التي تعبر عن الركود الاقتصادي، وبناءً على ذلك اتخذت العديد من البنوك المركزية والمؤسسات النقدية في هذه البلدان إجراءات مختلفة للتخفيف من حدة التبعات الاقتصادية الناجمة عن الأزمة، وقد تنوعت هذه الإجراءات بين:

- تخفيض سعر الفائدة إلى ما يقارب الصفر في بعض الدول. 

- تقديم تسهيلات وحوافز في الإقراض لتوفير التمويل للأفراد والشركات.

- شراء البنوك المركزية للأوراق المالية والسندات (زيادة عرض النقود).

- تأجيل سداد القروض المستحقة وإعفاءات للعملاء الذين لديهم قروض متعثرة.

نلاحظ أن هذه الإجراءات تصنف كسياسات نقدية توسعية تهدف إلى تشجيع الاقتصاد وزيادة عرض النقود بزيادة السيولة، مما يؤدى إلى زيادة الطلب وتدوير عجلة الاقتصاد بعد شبه توقف بسبب الأزمة.

إن فهم السياسة النقدية، أدواتها وآليات عملها يتيح لنا تقييم الوضع الاقتصادي للدول، ومعرفة ما هي خططها الاقتصادية المستقبلية، وقد تساعد هذه المعرفة في اتخاذ القرارات الاستثمارية الصحيحة على صعيد الأفراد والشركات.

للاطلاع على كامل سلسلة ومضة اقتصادية ... هنا

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات