استقلالية موارد الطاقة من أساسيات الاستقلال السيادي (تركيا نموذجًا)

فاضل الحايك

لطالما كانت موارد الطاقة في بلد ما من أهم عوامل نموه وتنميته جنباً إلى جنب مع الموارد البشرية، وتتنوع مصادر وموارد الطاقة بين الوقود الأحفوري (كالغاز الطبيعي والنفط) والوقود النووي والموارد المتجددة (كالطاقة الشمسية وطاقة الرياح)؛ وكلما تنوعت وازدادت هذه الموارد كلما زادت معها فرص تحقيق الاستقرار والتطور الاقتصادي والاجتماعي.

إلا أن تحقيق هذه الاستقرار والتطور بالاعتماد على موارد الطاقة المحلية منوط بعدد من النقاط ومنها:

كفاية موارد الطاقة للاعتماد عليها؛ بمعنى أنها تحقق الاكتفاء الذاتي للدولة بتلبية الطلب الداخلي المباشر وتحقق الكفاية اللازمة لاستثمارها وتحويل عائداتهالدعم خطط التنمية, بما يقلل من الاعتماد على الخارج.
حماية موارد الطاقة من المخاطر؛ وذلك من المخاطر الداخلية كالنهب والفساد، والمخاطر الخارجية كالتعدّي والاحتلال، والمخاطر غير المباشرة أو الخفية وهي عندما يكون المستفيد الأكبر من هذه الموارد كل طرف باستثناء أهل البلد ذاته بحيث تكون هذه الموارد مسخّرة لخدمة مصالح فئات معينة فقط في الداخل أو الخارج.
وبالنظر إلى هاتين النقطتيننجد أن هناك عنصر مشترك، إلا وهو استقلالية هذه الموارد.

فعدم كفاية موارد الطاقة الداخلية يجعل الاعتماد على الخارج هو الحل، وقد يترافق هذا الاعتماد مع تنازلات تقدمها الدولة كشروط مقابل الحصول على هذه الموارد وبهذا تنعدم الاستقلالية.

أما عندما تتعرض موارد الدولة للمخاطر الخفية وتكون جميع هذه الموارد مستثمرة لخدمة مصالح فئات معيّنة فإن الاستقلالية هنا تكون موضع شك أو انعدام.

وتكمن الأهمية العظمى لهذه الاستقلالية بأنها تمنع أي تنازل أو ضغط اقتصادي أو دبلوماسي قد تتعرض له الدولة في سبيل تأمين الموارد أو استثمارها، استقلالية للموارد تحقق ما يسمى الاستقلال السيادي الوطني حيث تكون الدولة انعكاس لتطلعات شعبها.

النموذج التركي في تحقيق التوازن بين استقلالية الموارد والاستقلال السيادي

تعمل الدولة التركية على تحقيق الاستقلالية في موارد الطاقة لديها وخاصة في مجال الوقود الأحفوري والطاقة المتجددة, وذلك من خلال العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتي من جهة وعلى حماية هذه الموارد من جهة أخرى مع تحقيق الكفاءة العالية في حسن الإدارة.

تحقيق الاكتفاء الذاتي: ففي هذا الجانب تسعى تركيا لرفع نسبة إنتاجها للطاقة من مواردها المحلية وتقليل الاعتماد على الموارد الخارجية, حيث يبلغ حالياً إنتاج تركيا للطاقة من مواردها المحلية نسبة 49.3% من مجموع الطاقة التي تحتاجها البلاد, تتنوع بين مصادر طاقة طبيعية متجددة وطاقة أحفورية غير متجددة، وتسعى الدولة لرفع تلك النسبة لتصل إلى الثُلثين في عام 2023.
ومن أمثلة تحقيق تركيا للاكتفاء الذاتي في مجال الطاقة:

توسيع عمليات التنقيب والاكتشاف, حيث أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في 18 أكتوبر، عن اكتشاف 85 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي في البحر الأسود، ليرتفع إجمالي احتياطي الغاز المكتشف في منطقة "تونا ـ 1/ حقل صقاريا" إلى 405 مليارات متر مكعب, مما سيتيح لتركيا تلبية احتياجاتها المنزلية من الغاز الطبيعي محلياً لمدة 25 عاماً، وتلبية كامل احتياجاتها من الغاز لمدة 8 سنوات.
تقليل الاعتماد على موارد الطاقة الأحفورية وزيادة الاعتماد على موارد الطاقة المتجددة, كأحد أهداف رؤية 2023 حيث تهدف الرؤية إلى أن تكون مساهمة الطاقة المتجددة 56% من إجمالي الطاقة المستخدمة في تركيا (تبلغ النسبة الحالية 46%), وتولي تركيا اهتماماً كبيراً في قطاع الطاقة المتجددة وتشجع على الاستثمار فيه.
حماية موارد الطاقة:وما قضية ترسيم الحدود شرق المتوسط إلا دليل على ذلك, فمنذ اكتشاف الاحتياطي الضخم من الموارد في شرق المتوسط عام 2009 (والذي يقدر بـ 3455 مليار متر مكعب من الغاز و1.7 مليار برميل من النفط الخام)، بدأت بين دول شرق المتوسط (خاصة بين تركيا وجمهورية قبرص الشمالية من جهة واليونان وقبرص اليونانية من جهة أخرى)حالة من النزاع على ترسيم الحدود البحرية والمناطق الاقتصادية، وهي المساحات البحرية التي تمنح لكل دولة حق استغلال الموارد الطبيعية فيها.
وقد اتخذ التدخل التركي العسكري في ليبيا بُعداً إضافياً يمنحها فرص أكبر لحماية حقها وترسيم حدودها. وفي هذا الصدد صرّح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان قائلاً: "سيدركون أن تركيا تملك القوة السياسية والاقتصادية والعسكرية لتمزيق الخرائط والوثائق المجحفة التي تفرض عليها"، وبذلك تسعى تركيا لحماية مواردها من الطاقة بجميع الطرق والوسائل.

وعلى الرغم من أن تركيا تمتلك من العوامل ما يمكّنها من تحقيق الاستقلال السيادي إلا أنها تدرك أيضاً قوة موارد الطاقة في تعزيز هذه السيادة.

وفي هذه القراءة للنموذج التركي ونظرته لاستقلال موارد الطاقة كأساس من أسس الاستقلال السيادي يبدو جلياً التوازن بين تحقيق كفاية هذه الموارد والعمل على حمايتها, في المقابل نجد الكثير من الأمثلة خاصة في المنطقة العربية عن دول فقدت الاستقلال السيادي وحرية اتخاذ القرار لفقدانها إما القدرة على تحقيق الاكتفاء الذاتي أو القدرة على حماية مواردها أو كلاهما معاً, مما جعل هذه الدول في موضع التبعية الاقتصادية والسياسية, وبالتالي مزيد من الضياع لفرص التنمية الحقيقية وتضاف هذه التبعية إلى قائمة عوامل تخلف هذه البلدان.

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات