العربية ... الناطقون بغيرها يحتفلون بها!

اللغة العربية هي لغة القرآن، هل هي بالفعل مصدر فخر وشرف وعز لنا نحن المسلمين والمتحدثين بها؟ لقد بات الأمر في حاجة إلى مراجعة منا، وبشكل جادٍّ وُمِلحّ.

نعم، هي كذلك كلما تمسك بها أهلها والتزموا، واحتفلوا بها، وصدق القرآن الكريم عندما قال (وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون) سورة الزخرف- 44.

من الجميل جدًا أن تكون تركيا وهي من الدول غير الناطقة بالعربية، بل مما يبشر بالخير أن تكون هي المهتمّة بعمل احتفالية بيوم اللغة العربية، يوم تجمع فيها أهل العربية المحتفين بها، المقدِّرين لقيمتها بين اللغات الحية في العالم من الشرق والغرب، وذلك في الوقت الذي عزَّ فيه أن تجد ذلك الاهتمام مُترَجما من تلك الدول التي تتحدث بالعربية أصلا، وتحفل بالمجامع اللغوية العربية العريقة ذات الشأن على مدى تاريخها.

ونحن بصدد تلك الاحتفالية، فإن تركيا بذلك تتنسم روح "الخلافة الإسلامية" التي حملت هذا الدين ونافحت عنه، ونشرته بلغته في ربوع الأرض مدة زادت على ستة قرون من الزمان (1290- 1924)، وهي بذلك  تخطو خطوات صحيحة نحو تصحيح مسارها بين ثقافات العالم وعقائده، إذ اللغة هي وعاء الثقافة ووعاء العقيدة والتاريخ، بل وعاء الحياة كلها.

وتركيا بذلك تعلي من قدر تاريخها بمآثره العظيمة المشرفة -وكل ما فيه مشرف لها- وتعلي من ثقافتها التي نبعت من الإسلام ونبتت من جذوره ولا تزال ثماره باقية حتى الآن، نراها في قيم المجتمع التركي الآن من إكرام الضيف، ونجدة الملهوف، والدفاع عن الشرف، والحياء، والنظافة، وحب العلم والأخذ بأسبابه، وإكرام العلماء، واحترام الكرامة الإنسانية، حتى الرفق بالحيوان، والأمانة، وإتقان العمل، وغير ذلك من قيم الإسلام العظيمة، والتي هذبها وأقامها على أسسٍ صحيحة مرتبطة بخالقِ السماوات والأرض سبحانه، مُعبّرة عن رسالة الإسلام السامية.

ومما تعانيه العربية الآن انصراف أهلها عنها، بل تعدى الأمر ذلك إلى النَّيْل منها والطعن فيها،وبصور مختلفة للأسف، هذا فضلا عن أن الجهود المبذولة من أجل العربية لا تلقى من أهلها ما تلقاه اللغات الأخرى من أصحابها، من اهتمام بلغاتهم الأجنبية، والمتمثل في الاحتفاء بدورات تعليم اللغة الإنجليزية، في المؤسسات الثقافية المختلفة، وعلى كثير من مواقع التواصل الاجتماعي، ومن اهتمام بها عبر المراكز الثقافية الأجنبية في البلاد العربية، ومن جعلها أساسا لإتمام إجراءات مناقشة الرسائل العلمية، أو اعتماد الرحلات العلمية والبعثات الثقافية لطلاب الدراسات العليا في الجامعات ومراكز البحث، وغيره مما لا نجده حتى عن العربية في بلادها، بل وتفتقر إليه المواقع الإلكترونية، فإن وجدته وجدته على استحياء، أو بصورة جامدة يعوزها التجديد والجذب والابتكار في المضمون لا الشكل وحسب.

إن الاهتمام بالعامية لهو هروب من الفصحى وإهمال لها، وقد عبَّر الشاعر (حافظ إبراهيم) عن ذلك بقوله:

أَنا البَحــرُ في أَحشــائِهِ الدُرُّ كامِنٌ     فَهَل سَأَلوا الغَوّاصَ عَن صَدفاتي

أيَهجُرني قومي عَفا اللهُ عنهمُ إلى لُغةٍ لم تتصل بِرُواةِ

ولقد كان رفْع لواء "العامية" تلك هو صيحة المستعمر في بلاد المسلمين، البلاد العربية، حتى تنقطع الصلة بينهم وبين جذور دينهم وتعاليمه، ورسالته التي جاءت لتعلّم الدنيا، وكان له دعاته ومروجوه، ولكن وقف لهم علماء العربية الأفذاذ بالمرصاد، حتى ذهبت تلك الموجة وانقضت، ولكنها تركت أثرها الشائن بين العامة وضعاف الثفافة، مما جعلهم مادة سهلة تعبث بها النظم السياسية، تلك التي لا ترى في الإسلام دِيْنا جاء بمنهج للحياة، يمكنه أن يصلح كل مجالات الحياة، ويتعامل معها بما يحقق السعادة للإنسان وكل ما يحيط به.

ويتعاظم ذلك في تلك الآونة مع دعوات محاربة كل ما يمتُّ للعربية بصلة، تحت دعوى الإرهاب المزعوم، واتهام العلماء والطعن في علمهم، وتشويه التاريخ الإسلامي ومآثر المسلمين على مدى تاريخهم، وسمو حضارتهم التي يرجع إليها فضل نهضة البشرية الآن.

هذا ولقد أخذت تلك الدعوات أشكالا متعددة كلها تغرس الكره والخوف في نفوس من يفكر في الاقتراب من العربية، أو من كل من يتعاملون معها من المتخصصين، فكان لابد من الوقوف بحسم وشرف في وجه ذلك التيار، والتصدَّي له بما يستحقه من إبراز لعظمة تلك اللغة، وما تحمله من خصائص لا تتوافر لكل لغات الأرض، وما ترتبط به من قيم، ورسالة جاءت من أجل بسط أشعة النور على البشرية كلها، ولتقرير ما يلزم من وسائل وخطط عملية، يمكنها أن تشبع حاجة أهلها من غير الناطقين بها، وتصل لهم ذلك الجسر الذي يتطلعون لوصله بتاريخهم ودينهم الذي هو منهج حياتهم، وكذلك وصلهم بإخوانهم في العربية والدين.

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات