تركستان الشرقية.. ثروات منهوبة وإبادة ممنهجة (تقرير)

تركستان الشرقية.. ثروات منهوبة وإبادة ممنهجة

في زمن ليس ببعيد وقعت دولة تركستان الشرقية تحت وطأة الاحتلال الصيني، وهي دولة شعبها من مسلمي الأويغور تعود أصولهم لعرق الأتراك، وتحتل مكانة مرموقة في التاريخ الإسلامي تمتد حضارتها لأكثر من ألف عام ويبلغ عدد سكانها بحسب الإحصائيات الرسمية 40 مليون إنسان.

يتعرض هذا الشعب المسلم لاضطهاد وجرائم صنفتها مؤسسات حقوقية دولية بأنها جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية، وتحاول الصين بشتى الطرق تدمير عقيدتهم التي هي مصدر قوتهم، من خلال الزج بالمشايخ والعلماء وكل من يظهر التزامه الديني في المعتقلات، بالإضافة إلى هدم المساجد أو تحويل بعض منها إلى دور ملاهٍ ليلية، وكذلك إحراق المصاحف والكتب الدينية وتجريم أي شكل من أشكال العبادة.

ثورات وإخفاقات
لم يستسلم شعب تركستان الشرقية للاحتلال الصيني فمنذ عام 1760م حتى عام 1911م قام بعدة ثورات حتى يحصل على استقلال وطنه، ومع كل ثورة كانت تمارس في حقه مذابح هائلة ناهيك عن الاضطهاد وفرض الضرائب لإذلاله وإضعافه.

وفي عام 1911م سقطت إمبراطورية المانشو الصينية بعد ثورة شعبية أنهت الحكم الإمبراطوري في الصين ليبدأ الحكم الجمهوري بها، ومنذ ذلك التاريخ تعرضت المنطقة لعدة ثورات حتى تمكن الثوار من هزيمة الصينيين وإعلان قيام جمهورية تركستان الشرقية في منتصف نوفمبر عام 1944م.

وبعد تدخل من الاتحاد السوفيتي آنذاك أوقف هجوم الثوار وأجبروا على الدخول في مفاوضات مع الصينيين في عام 1946م، ألغت تلك المفاوضات استقلال تركستان الشرقية مقابل منحها حكمًا ذاتيًا.

مُنحت تركستان الشرقية الحكم الذاتي مع احتفاظها بقوات مسلحة للحفاظ على الأمن، فيما تسيطر الحكومة المركزية في الصين على القيادة العسكرية والعلاقات الخارجية، ويتم تشكيل حكومة ائتلافية يتوافق عليها الثوار وحكومة الصين، بشرط أن تعين الصين رئيس المقاطعة وعشرة من أعضاء هذه الحكومة، وبموجب هذا الاتفاق خضعت تركستان الشرقية مجددا لسيطرة الصين.

أحُبطت ثورة شعب تركستان الشرقية وتم القضاء على قادتها في حادث طائرة غامص عام 1949م، ليلاقي الشعب ألوان من القمع والتنكيل ومحاولات لطمس هويتة الثقافية والدينية.

ثروات منهوبة

ساهمت الحرب الروسية الأوكرانية في تصاعد أسعار النفط والغاز الطبيعى بشكل قياسى، وتعاظمت المكانة والأهمية الاقتصادية والسياسية للدول المنتجة لهما، وبحسب إعلان الشركة الوطنية الصينية للبترول (سينوبك) فإن شينجيانج ( تركستان الشرقية)، تعد أفضل مناطق الإنفاق المحلى على الاستكشاف والإنتاج في الصين لدى بترو تشاينا أكبر منتج للنفط والغاز في الصين.

ونشر موقع تركستان تايمز تقريرًا سلط فيه الضوء على ثروات تركستان الشرقية (منطقة شينجيانج التي تسيطر عليها الصين) في قطاع النفط والغاز، وأشار التقرير إلى أن حوض تاريم الذى تبلغ مساحته 906000 كيلو مربع، حوضا رئيسيا للنفط والغاز في الصين وبحسب بيانات رسمية لـ "سينوبك"، شركة الصين للبتروكيماويات والتي تتبعها شركة حقول تاريم والتي تدير (32) حقلا للنفط والغاز، أعلنت في 13 ديسمبر من العام 2021 م، إنتاج 440 مليون طن مكافىء – نفط وغاز - خلال الثلاثون عاما الماضية.

وفى العام الفائت 2021 م أنتجت أكثر من  30 مليون طن مكافىء منها: 6 مليون طن نفط أي مايعادل 116.71 ألف برميل يوميا، و30 مليار م3 غاز طبيعى أي نحو 82.2 مليون م3 يوميا، أُرسل منها إلى مختلف أنحاء الصين 28.3 مليار م3 = 77.53 مليون م3 يوميا ، عبر خط أنابيب الغاز من الغرب إلى الشرق وهذا من منطقة واحدة وشركة واحدة داخل تركستان الشرقية. 

تحفز منطقة شينجيانج (تركستان الشرقية) الغنية بثرواتها الشركات الصينية لإنفاق المزيد من الأموال لاستكشاف واستخراج النفط والغاز، حيث تعهدت بتروتشاينا بإنفاق 150 مليار يوان ما يعادل 22.9 مليار دولار في الفترة من 2018/ 2020 م للوصول بإنتاجها في المنطقة إلى مليون برميل مكافىء يوميا، وتجدر الإشارة إلى أن إنتاج الصين من النفط الخام نحو ( 4 مليون برميل يوميا )، و قد تمكنت بتروتشاينا وغيرها من تحقيق اكتشافات ضخمة.

أعلنت الشركة في عام 2020 م عن اكتشاف منطقة غنية بالنفط والغاز في منطقة الصدع في محافظة شايا بحوض تاريم ، باحتياطى أولى 200 مليون طن مكافىء = 1.42 مليار برميل، واكتشاف حقل ضخم للغاز في حوض جونغاريا باحتياطى 100 مليار م3 ، وكانت الشركة قد أعلنت عن اكتشاف مماثل له في حوض تاريم في سبتمبر 2019 م. 

وبحسب موقع الطاقة المتخصص فإن من ضمن أكبر عشر اكتشافات نفطية في العالم عام 2021م اثنان منها في حوض تاريم بتركستان.
الأول: إعلان شركة بترو تشاينا فى عام 2021م اكتشاف بئر نفطى بمنطقة حقل فومان جنوب حوض تاريم يعد الأكبر منذ عشر سنوات باحتياطى 7 مليار برميل مكافىء.
الثانى: ما أعلنت عنه سينوبك أيضا في عام 2021 عن اكتشاف بئر جديدة بمنطقة شونبى تبلغ احتياطياته 100 مليون طن مكافىء، وبلغ تدفقه اليومى 6315 برميل نفط خام، 590 ألف م3 غازضبيعى، ويعد البئر المكتشف أعمق بئر برية في آسيا بعمق 8874.4م. 

بالإضافة إلى الاكتشافات السابقة في هذا المجال وبحسب ما نشر في صحيفة الشعب اليومية في عام 2001م عن إعلان شركة حقول تاريم عن أن احتياطي حقل كيلا 2 للغاز يبلغ 250.6 مليار م3، وأنه قد تم اكتشاف حقل جديد سمي دينا 2 باحتياطي 150 مليار م3 والمساحة المحتوية على الغاز 77كم2 ويعد من حقول الغاز الكبرى في العالم.

وبحسب التقرير فإن الصين لا تكتفي بنهب ثروات تركستان الشرقية الضخمة بل تبقي سكان المنطقة من المسلمين الأويغور وغيرهم في وضع اقتصادى متدن عن سائر مقاطعات الصين حيث لا يتعدى دخل أغلب سكان مناطق الغرب الصيني وفى طليعته تركستان الشرقية (شينجيانج) أقل من 1000 يوان شهريا أي أقل من 141 دولار، بينما المناطق الأخرى 6367 يوان أي ما يعادل نحو 900 دولار شهريا. 

ملاحقات وخذلان
 وحتى وقتنا الحالي يعاني شعب تركستان الشرقية من اضطهاد واعتقال الملايين منهم في معسكرات تعمل على محو هويتهم الدينية والثقافية، وانتهاكات جسيمة صنفتها مؤسسات حقوقية دولية بأنها جرائم تطهير عرقي وإبادة جماعية، يقابلها تعتيم إعلامي وتجاهل المجتمع الدولي.

وبالرغم من الظلم والقمع الذي يتعرض له شعب تركستان الشرقية في الداخل، إلا أن يد البطش تمتد إلى الخارج لتلاحق كل من يتحدث عن الانتهاكات التي يتعرض لها الشعب في الداخل وحرمانهم من التواصل مع أهلهم وذويهم وانقطاع أخبارهم لتعيدهم إلى معسكر القهر لينال عقوبة الإعدام أو التعذيب حتى الموت، ولا غرابة إن اجتهد محتل في ذلك.

ولكن الأمر المؤسف والمستغرب هو تخاذل دول العالم الإسلامي عن نصرة إخوة لهم، بل والتسابق في تسليم مسلمي الأويغور إلى حكومة الصين، في خطوة تتنافى تماما مع تعاليم الدين الإسلامي، وإن تنصلوا من تعاليمه، فهم يرتكبون مخالفة صريحة للمادة 3 من اتفاقية مناهضة التعذيب التي تقرها الأمم المتحدة، والتي تنص على أنه:" لا يجوز لأية دولة طرف أن تطرد أى شخص أو تعيده("ان ترده") أو أن تسلمه إلى دولة أخرى، اذا توافرت لديها أسباب حقيقة تدعو إلى الاعتقاد بأنه سيكون في خطر التعرض للتعذيب".

فمتى يقف المجتمع الدولي وبالأخص دول العالم الإسلامي وقفة حاسمة لمنع هذه الانتهاكات والظلم الممارس على الشعب المنهوب والمظلوم في تركستان الشرقية؟. 


 

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات