بعد عامه الأول.. نجاحات وإخفاقات سياسة بايدن الخارجية (تحليل)

بعد عامه الأول.. نجاحات وإخفاقات سياسة بايدن الخارجية (تحليل)
شهدت جهود الرئيس الأمريكي لإعادة تشكيل التحالفات وإعادة تحديد العلاقات مع الخصوم نتائج متباينة

تولى الرئيس الأمريكي جو بايدن، منصبه في يناير/كانون الثاني 2021، بوعود لإعادة تشكيل التحالفات الأمريكية القائمة منذ فترة طويلة، وإعادة تحديد العلاقات مع الخصوم البارزين، بعد اضطرابات عديدة شهدتها فترة الإدارة السابقة.

وبعد مرور عام على توليه المنصب، يبدو أن بايدن حقق نتائج متباينة.

ففي حديثه إلى موظفي وزارة الخارجية بعد أسبوعين فقط من توليه منصبه، أوضح بايدن أنه يريد أن يعرف العالم أن "الولايات المتحدة عادت، وعادت الدبلوماسية إلى قلب سياستنا الخارجية".

وقال: "سنصلح تحالفاتنا ونتعامل مع العالم مرة أخرى، ليس لمواجهة تحديات الأمس، لكن تحديات اليوم والغد".

وأضاف بايدن، "يجب على القيادة الأمريكية مواجهة هذه اللحظة الجديدة من تعزيز الاستبداد، بما في ذلك الطموحات المتزايدة للصين لمنافسة الولايات المتحدة، وتصميم روسيا على تدمير وتعطيل ديمقراطيتنا".

ومؤخرا، عادت مسألة التنافس التي هاجمها بايدن سابقا في الظهور مجددا، على الرغم من أن وعوده بخفض التحالفات التقليدية، وإعادة الانخراط مع المنظمات الدولية، نجحت في قلب الديناميكيات العالمية.

** أفغانستان.. خروج فوضوي

تعهد بايدن، باستعادة الثقة بين أعضاء حلف الشمال الأطلسي "ناتو"، التي اهتزت بشكل كبير من خلال النهج المتهور للرئيس السابق دونالد ترامب (2017-2020)، تجاه الحلف.

واحتاج بايدن لوضع نهاية لأطول حرب خاضتها الولايات المتحدة (2001 -2021).

وبغض النظر عن موعد الخروج من أفغانستان، كان من شبه المؤكد أن ذلك كان فوضويا وغير منضبط.

ولم يتوقع أي مسؤول في الولايات المتحدة أو أوروبا مدى الاضطراب الذي سيكون عليه الأمر.

تلاشت سريعا المدة المتوقعة لصمود الحكومة الأفغانية في مواجهة حركة طالبان، خاصة مع قيام الأخيرة بشن هجومها العسكري في جميع أنحاء البلاد، مما أجبر القوات الأفغانية، المدربة والمجهزة من الناتو، على التراجع والاستسلام المتتالي.

في أغسطس/ آب 2021، وصل كل شيء إلى تصعيد دموي، وسيطرت طالبان على كابل، حيث كانت القوات الأمريكية والدولية والدبلوماسيين لايزالون في العاصمة.

وهرع آلاف الأفغان إلى المطار الدولي لإجلائهم من قبل القوات الغربية قبل الموعد النهائي للانسحاب في 30 أغسطس.

شهدت الجهود الدولية بقيادة الولايات المتحدة ترحيل جوي لأكثر من 124 ألف أفغاني كانوا "معرضين للخطر"، في أحد أكبر عمليات الإجلاء الجماعي في التاريخ.

لكن أكثر من 150 أفغانيًا و13 جنديًا أمريكيًا لقوا مصرعهم في تفجير انتحاري في 26 أغسطس نفذته جماعة تنتمي لتنظيم "داعش" في أفغانستان، وهي جماعة إرهابية نمت في الحجم والقوة بعد انسحاب القوات الدولية.

ومع ذلك، لم يتبق أي من الجنود الأمريكيين في أفغانستان بعد 20 عامًا من الغزو، ليتحقق بذلك الهدف الرئيسي في السياسة الخارجية للرئيس بايدن، الذي سعى إلى إنهاء أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في تاريخها.

** إعادة تشكيل التحالفات

عندما أعلنت الولايات المتحدة إلى جانب أستراليا والمملكة المتحدة تشكيل تحالف عسكري ثلاثي جديد يُعرف باسم "أوكوس"، لم يتوقعوا ردة الفعل العنيفة التي ظهرت في أوروبا.

تهدف الاتفاقية ظاهريًا إلى مراقبة التطلعات الإقليمية للصين، لكن الاتفاقية كانت مصحوبة بصفقة للولايات المتحدة والمملكة المتحدة لتزويد أستراليا بالمعرفة اللازمة لبناء أسطولها الخاص من الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية.

وأدى ذلك إلى إلغاء صفقة أسلحة فرنسية - أسترالية كبيرة، تبلغ قيمتها حوالي 90 مليار دولار لتزويد كانبيرا بغواصات تعمل بالطاقة التقليدية، مما أدى إلى انزعاج باريس التي انتقدت الأمر بشدة.

استدعى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، سفراء بلاده لدى الولايات المتحدة وأستراليا، ودعا أوروبا علنًا إلى تقليص اعتمادها العسكري على الولايات المتحدة، في تطور مَثّل أسوأ أزمة دبلوماسية بين الحلفاء خلال رئاسة بايدن.

تم لاحقاً إصلاح العلاقات الأمريكية الفرنسية، ولكن الآثار الدائمة للخلاف يجب تحديدها بالكامل.

** التوترات مع الصين

كانت اتفاقية "أوكوس"، إحدى النقاط الرئيسية للولايات المتحدة في آسيا، حيث رافق ذلك سعي بايدن لتقوية العلاقات مع الحليفين الآسيويين الرئيسيين؛ اليابان وكوريا الجنوبية.

ولذلك فليس من المستغرب أن تكون أول دعوة موجهة من البيت الأبيض إلى زعيم أجنبي مُنحت لرئيس الوزراء الياباني السابق "يوشيهيدي سوجا"، وتبعها بسرعة دعوة رئيس كوريا الجنوبية "مون جاي إن"، الذي زار واشنطن بعد شهر واحد.

وبعدها عقد بايدن اجتماعًا افتراضيًا لقوى المحيط الهادئ؛ أستراليا والهند واليابان، بواشنطن، في سبتمبر/أيلول الماضي، لحضور أول قمة شخصية على مستوى القادة، لما يعرف باسم "الرباعي".

توجد الصين، التي تزداد حزما بالمنطقة، في قلب هذا الهيجان من النشاط الدبلوماسي الأمريكي، وبدرجة أقل تأتي كوريا الشمالية، التي تجري اختبارات للصواريخ الباليستية في المنطقة، في تحد لقرارات الأمم المتحدة والعقوبات الدولية.

فشل على ما يبدو صخب بيونغ يانغ، الذي شمل اختبار صواريخ تفوق سرعة الصوت، في أن يؤدي إلى رفع أي عقوبات دولية، وهو ما تريده بيونغ يانغ قبل استئناف المحادثات بشأن نزع السلاح النووي.

وعلى الرغم من تعهده بإعادة تعريف العلاقة مع الصين، من علاقة مواجهة، إلى علاقة تنافسية، إلا أن بايدن لم يتفوه بشيء حول رؤيته للصين ورئيسها شي جين بينغ، بل ردد مرارًا وتكرارًا أن نظيره مصمم على إعادة تشكيل النظام العالمي وإظهار تفوق الاستبداد على الديمقراطية.

وقال بايدن، في أول مؤتمر صحفي له في مارس/ أذار 2021، "هذه معركة بين الديمقراطيات في القرن الحادي والعشرين والأنظمة الاستبدادية. علينا أن نثبت أن الديمقراطية تعمل".

وشهد هذا الشهر، قمة أمريكية-صينية سيئة السمعة في ألاسكا، تحولت إلى إلقاء انتقادات علنية بين كبار الدبلوماسيين الأمريكيين والصينيين.

وكانت القمة الافتراضية التي عُقدت في نوفمبر/تشرين الثاني، بين بايدن أكثر مدنية بشكل ملحوظ، لكنها فشلت في تحقيق أي اختراقات كبيرة في العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.

حيث واصلت الدولتان إطلاق الاتهامات المتبادلة وسط مخاوف واشنطن من حملة القمع المستمرة لحقوق الإنسان في هونغ كونغ والتحذيرات من غزو محتمل لتايوان.

** مساعي التهدئة

أنهى الرئيس الأمريكي رحلته الخارجية الأولى في يونيو/حزيران، باجتماع حضوري طال انتظاره مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، فيما وصف بأنه محاولة لبناء علاقة "متوقعة ومستقرة" مع الكرملين.

ومع ذلك، فإن القمة المتوترة لم تفعل شيئا يذكر لتهدئة العلاقات الثنائية المتوترة، حيث سعت إلى التوصل إلى توافق في الآراء بشأن مجموعة من القضايا؛ كالحد من التسلح، ومزاعم الولايات المتحدة بشأن الهجمات الإلكترونية الروسية.

لكنها أدت بالفعل إلى عودة سفراء الولايات المتحدة وروسيا، فيما مثّل ذلك إنجازًا متواضعًا للقمة.

وفي ديسمبر/كانون الأول، جاء الاجتماع الافتراضي الذي استغرق ساعتين بين بايدن وبوتين بعد أن بدأت موسكو في حشد القوات على طول حدودها مع أوكرانيا للمرة الثانية في 2021.

ومازال هذا التعزيز مستمرا إلى الآن بحشد أكثر من 100 ألف جندي، بالإضافة إلى انتشار كبير لسلاح المدفعية والمدرعات.

وفي النهاية، لا تزال التوترات في ذروتها في يناير 2022، بعد هجوم إلكتروني على الحكومة الأوكرانية، ألقت أوروبا فيه باللوم على روسيا.

كما حذرت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون من عقوبات اقتصادية "مدمرة" على موسكو في حال أعادت غزو أوكرانيا بعد ضم شبه جزيرة القرم في 2014.

شارك الخبر

أخبار ذات صلة

تعليقات

لا يوجد تعليقات